تُمثل قضية التعليم والعوائق التي تواجهه إشكالية تؤرق جميع دول العالم، وخاصة الدول الإفريقية التي تعاني من الفقر ونقص الموارد مما يُوثر سلبيًاعلى مختلف مناحي الحياة، فالدول الناميةعامة لا تمتلك الموارد المالية والبشرية الكافية لتطوير التعليم الحكومي الرسمي حتى يخدم كافة أفراد المجتمع؛ ولذا ظهر التعليم غير الحكومي مُحاولًا سد هذا العجز الذي انتاب التعليم الحكومي بمؤسساته، حيث تولت بعض المؤسسات الخاصة عملية التعليم كالمدارس والجامعات الخاصة والمؤسسات الدينية والوكالات التطوعية والجاليات المختلفة، وليس هذا فقط بل تولى بعض الأفراد عملية الدعم المادي لبناء بعض المدارس والمعاهد والجامعات الخاصةوفقًا للضوابط التي تُلزمهم بها السلطات المُرخصة.
وقد ورثت غالبية الدول الأفريقية أنواعًا من التعليم التقليدي الديني الذي لا يزال قائمًا حتى اليوم. والذي ما زال يسهم بشكل أو بآخر في العملية التعليمية في تلك الدول، وغالباً ما يندرج هذا النوع من التعليم تحت التعليم غير الحكومي.
وتأتي هذه الورقة البحثية كمحاولة لرصد تاريخ وواقع التعليم التقليدي الديني في إثيوبيا بنوعيه:التعليم المسيحي “الكنسي” الذي يُدرس في الكنائس والأديرةوالتعليم الإسلامي الذي يُدرس في الكتاتيب والخلاوى والمدارس الإسلامية، كما ستتناول أيضا نظام التعليم في هذين النوعين ومراحله وبرامجه وأماكن انتشاره وعدد طُلابه ومتطلباته وشروط الالتحاق به، واللغات المستخدمة في التدريسوكذلك التحديات الاقتصادية والسياسية التي تواجه هذا النوع من التعليم.
كذلك تهدف هذه الورقة البحثية إلى إبراز دور المؤسسات الدينية ودور رجال الدين في محاولتهم لإصلاح مستوى التعليم في إثيوبيا على مختلف العصور وذلك من خلال منابرهم التي يتلقى بها الفرد التعليم الديني والدنيوي، حيث لعبت هذه المؤسسات دورًا بارزًا في التعليم ومحو الأمية، إلى جانب مساهمتها في تدريب الأفراد على بعض الحرف والمهن إلى جانب تعليمهم اللغات المحلية المختلفة في إثيوبيا. وقد كان للهيئات الدينية ظهورٌ مهمٌ وبارزٌ في المؤتمرات والندوات العلمية بل وفي صنع القرارات الرسمية للدولة فيما يتعلق بكيفية تطوير مستوى التعليم والارتقاء به.
وستحاول الدراسة أيضًاإبراز أهم المشكلات والتحديات السياسية والاقتصادية التي تواجه هذا التعليم من خلال رصدالتغيرات التي طالت بنية المؤسسات التعليمية التقليدية، وكذلك رُعاتها، ووسائلها التعليمية، وتكاليف إنشائها وتكاليف التعلم فيها وجودتها؛سواء في المدارس القرآنيةوالمدارس الإسلامية الخاصةوالمدارس الخاصة بالجاليات العربية والإسلامية في إثيوبيا، أو في مدارس التعليم المسيحي في الكنائس والأديرة ومدارس الجماعات التبشيرية التنصيرية. وكذلك عبر رصد قرارات الدولة وسياستها تجاه التعليم الديني والتي تظهر بشكلٍ مختلف ودرجاتٍ متفاوتة بين إقليمٍ وآخر في إثيوبيا.
هبه جمال توفيق ([1]) هدى صلاح عبد القادر(1)
([1]). معيدة اللغة الأمهرية بقسم اللغات الإفريقية- معهد البحوث والدراسات الإفريقية- جامعة القاهرة.