النظام القانوني المتعلق بالقرصنة البحرية
لقد نشأ التنظيم القانوني القديم والحديث مؤكداً علي الحقوق والحريات الشخصية للإنسان في شغل الأرض وركوب البحر وما عليهما واستعمارها مع كل مقوماتها والإنسان مطالب بالعمل عن طريق الانتفاع الإيجابي بكل تلك المسخرات وفقاً لقوله تعالى: {ظَهَرَ الَفَسَادُ في البَرِ و الْبَحرِ بِما كَسَبَتْ أَيدى النَاس لِيُذيِقَهُم بَعَضَ اِلَذِى عَمِلُوا لَعَلّهَم يَرَجِعُونَ}”[1]” ومن ذلك نستدل علي أن الإنسان مطالب ببناء الحضارة الإنسانية وفق قيم وتشريعات حكيمة تنظم الحياة والتي وضعها الله تعالي في الأرض و توصلت إليها الدول في الاتفاقيات والمعاهدات الدولية ولكنها لم تحقق حتى الآن الطموح الإنسان. واتفاقاً مع ما سبق ، سيتم دراسة الاختصاص القضائي والجهات المختصة بالمحاكمة وتنفيذ العقوبة ضد القرصنة .
أولاً:الاختصاص القضائي وعقوبة القرصنة في القانون الجنائي :
يشير الاختصاص القضائي للدولة أو الجهة التي لها الحق في القبض والتحقيق والمحاكمة وتطبيق العقوبة على أي عمل إجرامي، يحدث في مجال اختصاصها أو ولايتها، مروراً بالنظر في ما إذا كان هذا الفعل الذي دل علي جرام أم لا ، وذلك طبقاً للقوانين التي تتبعها الدولة وتطبقها، سواء أكان مصدر هذه القوانين هو تشريعها الداخلي أم الاتفاقيات الدولية، إذ تميل بعض الدول إلى الأخذ بالمبدأ الذي يقر بخضوع ما يقع على ظهر السفينة أو على متن الطائرة من أعمال لاختصاص الدولة التي ترفع علمها، بينما تمنع بعض الدول الأولوية مبدأ الاختصاص الإقليمي”[2]“؛ إذ تختلف الدول في كيفية ومدى تطبيق قواعد الاختصاص الإقليمي والشخصي، كما تختلف أيضاً في الحالات التي يمتد فيها نفاذ القانون الوطني للدولة أو اختصاصها القضائي إلى بعض الأفعال التي تقع خارج إقليمها. وهنا يجب عدم الخلط بين خضوع السفينة للاختصاص الوطني، الذي يعني احترام السفينة لسيادة الدولة، وبين اختصاصها القضائي، الذي يعني إمكانية محاسبة السفينة على ما ارتكبت من مخالفات لتلك القوانين. وترجع هذه الإشكالية لعدم وجود سلطة عليا في المجتمع الدولي، تتولى التنظيم القانوني، ما يترتب عليه قيام كل دولة بتحديد اختصاصها بنفسها، مراعية في ذلك القانون الدولي العام”[3]“.·وبناء على ذلك تمارس الدولة اختصاصها القضائي في موجهة كل الأشخاص الموجودين في إقليمها، وكذلك في موجهة الأموال الموجودة فيها، وللدولة سلطة التشريع والقضاء في أية جريمة ترتكب ضمن إقليمها، وكذلك في الجرائم التي يرتكبها مواطنوها في الخارج، فاختصاص الدولة الجنائي يرتكز على واحد أو أكثر من المبادئ الآتية: مبدأ الإقليمية، مبدأ الجنسية، مبدأ العالمية مبدأ الحماية. ويعتبر مبدأ الإقليمية الأصل العام في التشريعات الجنائية، ويعني أن كل دولة لها الحق في تطبيق قانونها الوطني على الجرائم المرتكبة داخل إقليمها أيًاً كانت جنسية مرتكب الجريمة، سواء أكان وطنياً أم أجنبياً، إلا ما استثناه القانون الدولي كالمبعوثين الدبلوماسيين “[4]“.ويقصد بمبدأ الشخصية وجوب سريان القانون الجنائي لكل دولة على رعاياها المتمتعين بجنسيتها أينما كانوا”[5]“؛ ولمبدأ الشخصية جانبان: جانب إيجابي مؤداه تطبيق التشريع العقابي الوطني على الجاني الذي يحمل جنسية الدولة، ولو ارتكبت جريمته خارج إقليمها، ويعرف هذا بمبدأ الشخصية الإيجابية”[6]“. أما الجانب السلبي لمبدأ الشخصية فيعني تطبيق التشريع العقابي الوطني على كل جريمة يكون المجني عليه فيها منتمياً إلى جنسية الدولة، ولو كان مرتكب هذه الجريمة أجنبياً خارج إقليم الدولة “[7]” أما مبدأ العالمية فيعني أن الدولة لها الحق في تطبيق قانونها الوطني وممارسة اختصاصها القضائي على جرائم معينة، ارتكبت خارج إقليمها، واعتبرتها الجماعة الدولية مخلة، لا بالنسبة لمصالح بلد معين فقط، ولكن بالنسبة لمصالح الجماعة الدولية أيضاً، كجرائم القرصنة والاتجار بالرقيق وتزيف العملة والاتجار بالمخدرات… إلخ. ومن هنا يحق لكل دولة أن تلقي القبض على مرتكبي هذه الجرائم ومعاقبتهم طبقاً لتشريعاتها الوطنية، بالرغم من أن الجريمة قد ارتكبت خارج إقليمها، بغض النظر عن جنسية المجرم”[8]“. وأخر ذلك مبدأ الحماية هذا المبدأ يعترف بحق الدولة في إدانة أو منع أي سلوك إجرامي، يمكن أن يسبب ضرراً أو يمس بأمنها الداخلي أو الخارجي ويطلق على هذا المبدأ مبدأ عينية النص الجنائي، ويعني تطبيق النص على جريمة تمس مصلحة أساسية في الدولة، أيا كان مكان ارتكابها وجنسية مرتكبيها”[9]“.
هذه هي المعايير التي توضح الاختصاص القضائي الجنائي لكل دولة بصفة عامة، أما الاختصاص القضائي لأعمال القرصنة البحرية، التي تقع في أعالي البحار، وفق اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار 1982م، فينقسم إلى: اختصاص دولة العلم، واختصاص الدولة الساحلية.
أ ـ اختصاص دولة العلّم:
ألزم العرف الدولي كل سفينة تبحر خارج المياه الداخلية للدولة بأن تحمل جنسية، لتكون لها هوية خاصة تميزها عن غيرها من السفن، كي يمكن التعرف عليها وتوجيهها ومخاطبتها بالإشارة الملاحية أو غيرها، ومطاردتها ومقاضاتها في صورة إقامة المسؤولية القانونين لها أو عليها. وكل دولة مطالبة بأن تضع الشروط اللازمة لمنح جنسيتها للسفن وتسجيلها ومنحها الحق في رفع علمها. ويجب أن تكون هذه السفن خاضعة لولاية الدولة التي ترفع علمها عند إبحارها في أعالي البحار، إلا في حالات استثنائية منصوص عليها صراحة في معاهدات دولية أخرى أو في هذه الاتفاقية”[10]“. وعلى كل دولة فيما يخص الشؤون الإدارية والفنية والاجتماعية أن تمارس ولايتها ورقابتها ممارسة فعلية على السفن التي ترفع علمها، وعلى ربانها وضباطها وأفراد طاقمها، بشأن المسائل الإدارية والفنية والاجتماعية المتعلقة بالسفينة. وعلى كل دولة أن تصدر للسفن التي منحتها حق رفع علمها الوثائق الدالة على ذلك، ولا يجوز للسفينة أن تغير علمها أثناء رحلتها أو أثناء وجودها في ميناء أجنبي، إلا في حالة نقل حقيقي للملكية أو تغير في التسجيل”[11]“. ولا يجوز للسفينة أن تبحر تحت علمي دولتين أو أعلام أكثر من دولة، مستخدمة إياها وفقاً للاعتبارات الملائمة، وأن تدعي لنفسها أي جنسية من هذه الجنسيات أمام أي دولة أخرى. ففي هذه الحالة يجوز اعتبارها في حكم السفينة عديمة الجنسية. والسفن عديمة الجنسية معرضة لفرض الولاية أو الاختصاص عليها من كل الدول. ويجب على كل دولة أن تتخذ التدابير اللازمة لتأمين السلامة في البحار في مواجهة السفن التي ترفع علمها، وذلك فيما يتعلق ببناء السفن ، ومعدات السفينة، وصلاحيتها للإبحار ، وتشكيل أطقم السفن، وشروط العمل الخاصة بهم وتدريبهم ومراعاة الاتفاقيات الأخرى في هذا الشأن ويجوز لكل دولة لديها أسباب واضحة للاعتقاد بأن الولاية والرقابة الصحيحة لم يتم ممارستها فيما يتعلق بسلامة سفينة ما أن تقدم تقريراً إلى دولة العلم، أي إجراء ضروري لمعالجة الحالة، والدولة مطالبة بالتعاون في إجراء أي تحقيق بشأن أي حادثة تقوم به أي دولة أخرى”[12]“.
وبصفة عامة فللدولة حق الولاية والاختصاص في تطبيق قوانينها في مواجهة السفن التي ترفع علمها، بغض النظر عن مكان وجودها، وإن اختيار دولة العلم هو الاختيار الأنسب الذي يتفق مع الواقع العلمي لأن السفينة في البحر العام تعامل كما لو كانت إقليماً تابعاً لدولة العلم، ومن ثم فإن قانون الدولة هو الذي يطبق على ما يحصل على ظهرها من جرائم بين أفراد طاقمها أو ركابها، أيان كانت جنسيتهم ومحاكمها القضائية هي التي تختص بالعقاب عليها، وأن تنفذ العقوبة في سجونها فهذه الدولة بسبب ما لديها من وسائل مادية، تكون هي الأفضل لضمان استتباب النظام على متن سفنها واحترام تعليماتها، فالجنسية هي نقطة الربط بين السفينة والنظام القانوني لدولة العلم، وإن إخضاع السفينة لذلك النظام يستند إلى السيادة الشخصية التي تمارسها دولة العلم على السفن التي تحمل جنسيته
ومع ذلك فثمة حالات تخضع فيها السفينة لاختصاص غير دولة العلم، أما لاعتبارات واقعية ومنطقية تبرر مد الاختصاص القضائي للدولة الساحلية التي في أعالي البحار، لارتكابها أفعالاً تقع في حدود سيادتها الإقليمية أو ولايتها البحرية….الخ ، وهذا ما أكدته المادة (110) من اتفاقية عام 1982م بنصها على أنه باستثناء الحالات التي تكون فيها أعمال التدخل مستمدة من سلطات تمنحها معاهدة ما، فإنه ليس لأي سفينة حربية تصادف في أعالي البحار أية سفينة أجنبية من غير السفن التي تكون لها حصانة، وفقاً للمادتين 95-96″ كالسن” الحربية، ما يبرر تفقد هذه السفينة ما لم يتوفر أسباب معقولة للاشتباه بها “[13]“.
ب-اختصاص الدولة الساحلية:
نتيجة للتطورات التي حدثت في القانون الجديد للبحر وتقسيمه إلى عدة أجزاء فقد تراجعت مساحات شاسعة من المحيطات والبحار في إطار السيادة والولاية القضائية للدول الساحلية فأعمال القرصنة البحرية وفقاً للاتفاقيات الدولية لا يمكن أن تحدث إلا خارج حدود المياه الإقليمية التي يمتد معظمها إلى 12 ميلاً بحرياً من الساحل وفي هذه الحالة أما أن تقع القرصنة في أعالي البحار خارج حدود ألاثني عشر ميلاً بحرياً ومن ثم تكون خارجه من اختصاص الدولة الساحلية والسيادية أو تحدث داخل المياه الإقليمية بما في ذلك مياه الدول الأرخبيلية مثل اندونيسيا فتقع من مسؤولية الدولة الساحلية ذات الصلة. والمشاهد أن الغالبية العظمى من هجمات القراصنة تجري داخل المياه المغلقة نسبياً وبالتحديد داخل المياه الإقليمية المتاخمة للدول الساحلية. ومن هنا يجب معرفة أين حدثت الجريمة وأين كان موقع السفينة التي تمت هاجمتها في المياه الإقليمية، أو في أعالي البحار لكي نحدد اختصاصات ومسؤولية الدول تجاهها فاختصاص الدولة الساحلية على المناطق البحرية يتناقص كلما بعدت الحادثة أو الفعل عن الساحل ما يؤدي إلى اختفاء المسؤولية الدولية تجاه المجتمع الدولي وقيام مسؤولية الدولة الساحلية والعكس صحيح طبقاً لتصنيف اتفاقية الأمم المتحدة -عام 1982م-لقانون البحار التي قسمت البحر إلى عدة أقسام كل قسم يوجد به قدر معين من اختصاص الدولة الساحلية وذلك كالآتي:
1:المياه الداخلية: كما ذكرنا سابقاً هي المياه الواقعة على الجانب المواجه للبر من خط الأساس الذي يبدأ منه حساب عرض بحرها الإقليمي وخط الأساس هو الخط الوهمي الواصل بين أبرز نقطتين على الساحل “”[14]“. وتشمل المياه الداخلية مصاب الأنهار والخلجان التي تعود سواحلها لدولة واحدة والموانئ والمراسي وبعض الجزر القريبة من الشواطئ وللدولة لساحلية ق ممارسة ولايتها واختصاصها بالكامل على السفن الموجودة فيها وبمجرد خول السفينة المياه الداخلية لأي دولة أجنبية فإنها تخضع للاختصاص الإقليمي للدولة الساحلية التي لها الحق في أن تطبق قوانينها على هذه السفينة ويكون الاختصاص القضائي لمحاكمها في حالة ارتكابها أي هجوم في هذه المياه الداخلية لأن هذا الهجوم يشكل جريمة بموجب القانون الجنائي للدولة الساحلية وتكون هي المسئولة عنه.
2:المياه الإقليمية “البحر الإقليمي”: هو الجزء البحري الملاصق للعنصر القارئ في إقليم دولة ويبدأ عادة من أدنى قطعة تصلها المياه في حالة الجزر على طول حدود الدولة ويمتد حده الخارجي إلى (12) ميلاً بحرياً في اتجاه البحر من خط الأساس”[15]“. وللدولة الساحلية الولاية على مياهها الإقليمية تباشر سيادتها عليها ولها أن تفرض سيطرتها الكاملة على هذه المنطقة من البحر وعلى قاعه وما تحت لقاع وعلى ما يعلو مياهه ن طبقات الجو إلا أن سيادة الدولة على بحرها الإقليمي يرد عليها قيد لمصلحة الملاحة الدولية هو حق المرور البريء للسفن الأجنبية ويقصد بهذا الحق الملاحة عبر البحر الإقليمي بالنسبة للسفن التابعة لجميع الدول بقصد اختراق ذلك البحر دون الوصول إلى المياه الداخلية، أو بقصد الوصول إلى المياه الداخلية ،أو بقصد الخروج من هذه المياه إلى أعالي البحار”[16]“. ويتضمن المرور وقوف السفن الأجنبية أو مرورها بقدر ما يكون ذلك متصلاً بالملاحة العادية أو كان ضرورياً بسبب ظروف قاهرة أو محنة تعرضت لها السفن فالقانون الدولي يقر حق السيادة المطلقة للدول على مياها الإقليمية إلا أنه أعطى في الوقت نفسه جميع سفن الدول الساحلية أو غير الساحلية حق المرور البريء خلال البحر الإقليمي بشرط مراعاة أنظمة الدول الساحلية صاحبة السيادة على المياه وأن تتبع السفينة طرق الملاحة المحددة مع الالتزام بعدم تعريض أمن وسلامة الملاحة للخطر ويكون المرور بريئاً طالما أنه لا يضر بالسلم أو حسن النظام أو أمن الدولة الشاطئية”[17]“. والمرور البريء ليس رخصة تمنحها سلطات الدولة الساحلية أو الشاطئية للسفن الأجنبية بل هو حق ثابت لها تتوفر فيه كل عناصر الحق وتكوينه[18]. فإذا كانت السفينة في حالة مرور في مياه دولة ما فإنها تخضع من حيث الولاية الجنائية لسلطة الدولة التي تتبعها أو ترفع علمها وليس للدولة صاحبة المياه أي سلطة عليها إلا في أحوال محددة “[19]“، وهذا ما نصت علية المادة “27” من اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار لعام 1982 م حيث وضحت أنه لا ينبغي للدول الساحلية أن تمارس الولاية الجنائية على ظهر سفينة أجنبية مارة خلال البحر الإقليمي من أجل توقيف أي شخص أو إجراء أي تحقيق بصدد أية جريمة ارتكبت على ظهر السفينة أثناء مرورها إلا في بعض الحالات أولها: إذا امتدت نتائج الجريمة إلى الدولة الساحلية أو إذا طلب ربان السفينة أو ممثل دبلوماسي أو موظف قنصلي لدولة العلم مساعدة السلطات المحلية . وثانيها لا تمس الأحكام المذكورة أعلاه حق الدولة الساحلية في اتخاذ أية خطوات تأذن بها قوانينها لإجراء توقيف أو تحقق على ظهر سفينة أجنبية مارة خلال البحر الإقليمي “[20]“.
3: المنطقة المتاخمة (المجاورة): هي تلك المنطقة التي تتاخم البحر الإقليمي للدولة مباشرة في اتجاه البحر العالي ولا يجوز أن تمتد إلى أكثر من 24 ميلاً بحرياً من خطوط الأساس للبحر الإقليمي”[21]“. وتعد جزءاً من أعالي البحار ولا تخضع لسيادة الدولة الساحلية وحرية الملاحة في هذه المنطقة مكفولة ولا يجوز للدولة الساحلية إعاقتها أو منعها ويمكن للدولة الساحلية اتخاذ إجراءات الرقابة لغرض منع وقوع المخالفات لقوانينها المتعلقة بالضبط الجمركي أو الصحي أو المساس بأمنها من قبل السفن الأجنبية والمرتكبة على إقليمها أو مياهها الإقليمية ولا يمكن اتخاذ إجراءات الرقابة هذه خارج ألاثني عشر ميلاً بحرياً اعتباراً من الساحل”[22]“. وللدولة الساحلية الحق في المطاردة المستمرة في هذه المنطقة المتاخمة وحتى في حالة عدم وجود اتفاقية دولية يستمد هذا الحق من القانون الدولي الوضعي الذي يؤكد على ضرورة ضمان الدولة الساحلية للإدارة الفعالة للعدالة وغن مبرر إعطاء الدولة الساحلية حق المطاردة المستمرة خارج ولايتها الاعتيادية يقوم على أساس حماية النظام العام الذي هو ضمان العدالة وأداتها فيما يتعلق بالحالات المذكورة أعلاه بشرط ألا تتعدى تلك الولاية الحدود الوطنية للدولة الأخرى”[23]“. فللدولة الساحلية في هذه المنطقة توقيع العقاب في حالة ارتكاب أي دولة مخالفة وحق توقيع هذا العقاب في هذه المنطقة هو حق متفرع من حق الرقابة.
4: المنطقة الاقتصادية الخالصة: يقصد بها تلك المنطقة الواقعة وراء البحر الإقليمي وملاصقة له ولا تمتد إلى أكثر من 200 ميل بحري من خط الأساس الذي يقاس منه البحر الإقليمي”[24]“، وللدولة الساحلية في هذه المنطقة حقوق سيادية فيما يتعلق باستكشاف واستغلال الموارد الطبيعية الحية وغير الحية للمياه التي تعلو قاع البحر وباطن أرضه وحفظ هذه الموارد وإدارتها وكذلك فيما يتعلق بالأنشطة الأخرى كالاستكشاف والاستغلال الاقتصادي للمنطقة في مجال إنتاج الطاقة عليها والرياح. الخ ولها حق الولاية على إقامة واستغلال الجزر الاصطناعية والبحث العلمي وحماية البيئة البحرية والحفاظ عليها ولها اتخاذ تدابير ضد السفن الأجنبية بما في ذلك تفقدها وتفتيشها واحتجازها وإقامة دعاوي قضائية ضدها إذا انتهكت تلك السفينة القواعد والمعايير الدولية للدولة الساحلية وذلك ضماناً للامتثال لتلك القوانين والأنظمة”[25]“. وأجازت المادة (111) من اتفاقية 1982 م القيام بالمطاردة الحثيثة للسفن التي تنتهك قوانين الدولة الساحلية وأنظمتها المتعلقة بالمنطقة الاقتصادية الخاصة. وينعقد الاختصاص القضائي على السفن في المنطقة الاقتصادية بنفس الكيفية التي ينعقد بها على السفن في أعالي البحار، فيجوز للسفن الحربية لجميع الدول القبض على سفن القرصنة واحتجازها والاستيلاء عليها ومحاكمتها طبقاً للاختصاص العالمي لجميع الدول”[26]“. ويجوز أيضاً لأي دولة إجراء مسح شامل لمنطقة الاقتصادية بعد أخذ الإذن المسبق من الدولة الساحلية ولا يجوز لأي دولة أن تتمادى في استغلال المساحات المحددة للدول الأخرى وتختص الدولة الساحلية ممارسة بعض الحقوق السيادية التي تشمل حق الانتفاع وحق منح الغير فرصة الانتفاع بموجب ترخيص الدولة له بذلك إذ يعمل في هذه الحالة باسم الدولة أثناء ممارسة أعمال الانتفاع والمسؤولية هنا تضامنية بين ذلك الشخص وبين الدولة التي منحته حق الانتفاع”[27]“.
5: الامتداد القاري: هو قاع البحر وما تحت هذا القاع من طبقات تتصل بالشاطئ وتمتد إلى خارج نطاق البحر الإقليمي على عمق يسمح باستغلال الموارد الطبيعية لتلك المناطق وتبدأ حدوده من نهاية حدود المياه الإقليمية إذ إن أدنى قاع البحر الإقليمي وما تحت هذا القاع من موارد خاضع كلياً لسيادة الدولة الساحلية وصولاً إلى عمق يزيد عن 200 ميل بحري “[28]“. وتمارس الدولة الساحلية على هذا الجرف حقوقاً سيادية لغرض استكشاف واستغلال الموارد الطبيعية ولكن يجب إلا تتعدى ممارسة الدولة الساحلية حقوقها على الجرف القاري على حرية الملاحة وغيرها من حقوق الدول الأخرى المنصوص عليها في هذه الاتفاقية فالجرف القاري الذي يبدأ خارج المياه الإقليمية للدولة لا يمكن اعتباره جزءاً من أراضي الدولة إذ تكون سلطة الدولة محصورة فيه ببعض الحقوق هذا ما نصت عليه المادة (77) من اتفاقية 1982 بقولها : ” إن الدولة الشاطئية لها حقوق السيادة على الجرف القاري تمارسها قصد التنقيب عن الموارد الطبيعية واستغلالها ويسقط حق الدولة في استغلال مصادر الثروة في امتدادها القاري إذا لم تقم بذلك ولا يحق لأي دولة أخرى القيام بالتنقيب دون موافقة الدولة صاحبة الامتداد القاري في الدولة الساحلية”.
6:منطقة أعالي البحار: تعرف بأنها كافة المساحات الشاسعة من المياه الواقعة فيما راء البحار الإقليمية للدول الساحلية والمملوكة للمجموعة الدولية، غير الخاضعة كلياً أو جزئياً، أو بأي صورة من الصور، للاختصاص الإقليمي لأية دولة من دول العالم”[29]“. ولا يخضع لسيادة أي دولة من الدول ولا يجوز لأي منها أن تدعي ملكيته أو ملكية أي جزء من أجزائه أو أن تمارس عليه أي اختصاص من اختصاصات السيادة الإقليمية فالمبدأ المعترف به القانون الدولي هو أن السفينة الموجودة في أعالي البحار لا تخضع إلا لاختصاص دولة العلم يستند هذا المبدأ إلى أن أعالي البحار لا تخضع لسيادة ولا لقضاء دولة معينة ومن الطبيعي إذن أن يكون الاختصاص في أعالي البحار وطنياً تباشره كل دولة على السفن التي تتبعها وقد نصت الفقرة الثانية من المادة “89” من اتفاقية 1982م على أنه لا يجوز لأية دولة شرعاً أن تدعى إخضاع أي جزء من أعالي البحار لسيادتها. ويترتب على الاعتراف بمبدأ حرية أعالي البحار مجموعة من الحقوق الأساسية، تتمتع بها كافة الدول الساحلية وغير الساحلية على قدم المساواة “[30]“.
7: منطقة التراث المشترك للإنسانية: هي قاع أرض البحار والمحيطات وباطنها خارج حدود الولاية الوطنية”[31]“. وهي تعد بمثابة تراث مشترك للإنسانية يجب أن يكون اكتشافها واستغلالها لصالح الإنسانية جمعاء بصرف النظر عن موقع الدول الجغرافي وهذا ما يساهم في تعزيز السلم والأمن والتعاون في العلاقات بين جميع الدول ويشجع على التقدم الاقتصادي والاجتماعي ولا يحق لأي دولة أن تدعي أو تمارس أي حقوق سيادية عليها أو على أي جزء فيها باستثناء السلطة الدولية التي تملك حقوقاً سيادية في حدود ما قررته الاتفاقية لها”[32]“.
واتساقاً مع ما تقدم يتضح أن للدولة الحق في الولاية الجنائية على مياهها الإقليمية ما عدا السفن الأجنبية المارة بهذه المياه فالولاية عليها تكون للدولة التي تتبعها السفينة أو تحمل علمها وليس للدولة صاحبة المياه التدخل إلا في الحالات المحددة التي سبق ذكرها”[33]“. كما يتضح أن الاشتباه في ممارسة سفينة عابرة للمياه الإقليمية قيامها بعمل من أعمال القرصنة البحرية أو ضلوعها في أعمال سطو مسلح داخل هذه المنطقة يجيز للدولة صاحبة المياه اعتراضها أو ما يسمى بالزيارة والتحقق منها وتفتيشها إذا لزم الأمر ومطاردتها إذا حاولت الهرب وللدولة حق تطبيق أنظمتها بحقها لأنها خالفت مبدأ المرور البريء لأن قواعد القانون الدولي تعطي هذا الحق للدولة في أعالي البحار فيكون هذا الحق في مياها الإقليمية من باب أولى”[34]“.
[1]– سورة الروم، الآية 41.
[2] – عمر حسن عدس، مبادئ القانون الدولي العام المعاصر، (القاهرة، دار الكتب المصرية، 2009 م)،ص318.
[3] – محمد حافظ غانم،مرجع سبق ذكره،ص 320-321. ·وهذا ما أيده القضاء الدولي في قضية اللوتس في عام 1927م،للمزيد انظر :مجموعة ا لأحكام و الأوامر لمحكمة العدل الدولية لعام 1982م.
[4] – عمر حسن عدس،مرجع سبق ذكره،ص321.
[5] – أحمد فتحي سرور،الوسيط في قانون العقوبات القسم العام، (القاهرة،دار النهضة العربية، 1981م) ،ص107.
[6] – رفعت رشوان ،مبدأ إقليمية قانون العقوبات في ضوء قواعد القانون الجنائي الداخلي والدولي،( القاهرة،دار الجامعة الجديدة، 2008 م) ،ص17.
[7] – المرجع السابق،ص17.
[8] – محمود نجيب حسني،شرح قانون العقوبات ،القسم العام، النظرية العامة للجريمة والنظرية العامة للعقوبة و التدبير الاحترازي، (القاهرة،دار النهضة العربية، 1977م) ،ص ص 133 – 149.
[9]– المرجع السابق،ص ص 134-149.
[10] – اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار لعام 1982مالمادة (92).
[11] – عبد الكريم علوان ،الوسيط في القانون الدولي العام والقانون الدولي المعاصر، (عمان،دار الثقافة للنشر والتوزيع، الطبعة الأولى،،2007م) ،ص 108.
[12]– المرجع السابق ، ص 109.
[13] – للمزيد انظر : اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار لعام 1982 م،المادة (110).
[14] – اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار، المادة (8).
[15] – اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار لعام 1982 ،المادة (2).
[16] – عبد الكريم علون،مرجع سبق ذكره،ص90.
[17] – المادة 14 من اتفاقية جنيف لأعالي البحار عام 1958.
[18] – ساسي سالم الحاج،مرجع سبق ذكره،ص75.
[19] – إبراهيم أحمد خليفة وآخرون،مرجع سبق ذكره،ص31.
[20] – اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار 1982م،المادة (27).
[21] – اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار المادة (23/ 2).
[22]– Hosit the jolly roger ; op . cit .p36.
[23]– محمد الحاج حمود،مرجع سبق ذكره، ص 216 – 217 .
[24]– اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار المادة (57).
[25] -Robert C .Beckman ; op.cit,p239.
[26]–I bid, p329.
[27] – عبدالمنعم محمد داود،القانون الدولي والمشكلات البحرية، مرجع سبق ذكره،ص 85.
[28] – اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار عام 1982 ،مرجع سبق ذكره ،المادة (76).
[29]– ساسي سالم الحاج، مرجع سبق ذكره،ص 338.
[30] – للمزيد من المعلومات حول هذا الموضوع يمكن الرجوع إلي : اتفاقية أعالي البحار لعام 1982م.
[31] – اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار ، مرجع سبق ذكره المادة (1).
[32] – محمد الحاج حمود،مرجع ساق ذكره،ص495.
[33] – عبد الواحد محمد الفار،الجرائم الدولية و سلطة العقاب عليها، (القاهرة، دار النهضة العربية 1995م)،ص425.
[34] – للمزيد انظر : اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار المادة (23/ 2). حول المنطقة الاقتصادية والامتداد القاري وغيرها.