مفهوم القرصنة البحرية في الفقه الإسلامي
لتعريف القرصنة في الفقه الإسلامي، لابد أن نوضح بداية معنى الفقه الإسلامي. فالفقه الإسلامي” هو مجموعة الأحكام العلمية المشروعية في الإسلام سواء كانت شرعيتها بنص صريح من القرآن والسنة أو الإجماع أو باستنباط المجتهدين من النصوص أو القواعد العامة وهو أخص من الشريعة”[1]“.
وقبل تعريف جريمة القرصنة البحرية في الفقه الإسلامي لابد من عرض تعريفات الفقهاء لجريمة الحرابة إحدى جرائم الحدود، لأن القرصنة البحرية تعد ضرباً من جريمة الحرابة، وهذا ما أكد عليه بعض الفقهاء عند تعريف الحرابة. ولتوضيح ذلك سيتم تعريف أنموذجين لفقهاء المالكية والحنابلة كما نبين الدليل علي أنها من الحرابة وعلاقتها بالإرهاب:
أ: تعريف الحرابة عند المالكية: (ابن عرفة): حيث عرفها بأنها “الخروج لإخافة عابر سبيل لأخذ مال بمكابرة قتال، أو خوفه، أو ذهاب عقل، أو قتل خفية، أو لجرد قطع الطريق لا لإمرة ولا نائرة ولا عداوة فيدخل قولها والخناقون الذين يسقون الناس السكيران ليأخذوا أموالهم محاربون”[2]“.
ب: تعريف الحرابة عند الحنابلة: حيث عرفها “الحجاوي”: بأنها ” قطاع الطريق المكلفون الملتزمون، الذين يعرضون للناس بسلاح ولو بعصا وحجارة في صحراء أو بنيان، أو حجر فيغصبونهم مالاً محترماً قهراً مجاهرة”.”[3]“
وضحت بعض التعريفات السابقة فصل في مكان ارتكاب الجريمة مشيره إلى ما يقع من الحرابة في البحر موضوع هذا البحث، وبعضها ذكر مكان الجريمة ولم يفصل بينهما ، والتعريف الأقرب ويعد جامعاً مانعاً ، تعريف ابن عرفة المالكي، لأنه الأكثر إحاطة بمعنى الحرابة، وجاء متلائماً مع ظروف ومعطيات وقتنا الحاضر، لمعالجته أكثر جوانب التعريف دقةً ، وهو الباعث للجريمة والذي بسببه يدور جدل كبير حول تعريف الإرهاب، كما احترز لأنواع من الإجرام والفساد ظهرت في هذا الوقت بعد تفشي المخدرات، والظواهر الحديثة من استخدام الغازات السامة والكيماوية، والمتفجرات…الخ “[4]“.
ج:الدليل على أن القرصنة البحرية من الحرابة في الشريعة الإسلامية:
يتضح عند أمعان النظر في تعريف الحرابة لدى الفقهاء المسلمين سواءً من نص ما وقع في البحر كالمالكية والحنابلة تطابق معنى الحرابة مع معنى القرصنة البحرية، وتوافر شروط وأركان وعناصر الحرابة في القرصنة، إلا أن لفظ في القرصنة البحرية عندما يطلق فإنه يتجه لما يقع من فساد في الأرض وقطع الطريق في البحر، مع ملاحظة أن الأسماء الموضوعة لمعان يمكن أن يطلق أحدها على الأخر إذا تحقق المعني الجامع بينهما، كما في قياس اللغة عند الأصوليين فيمكن أن يطلق على القرصنة البحرية الاسم الذي وضع لقطع الطريق في البحر واسم الحرابة قياساً على قطع الطريق في البر، وعلى هذا الأساس فإن اختلاف التسمية لا يؤثر في حقيقة الفعل، ولا بالأحكام المقررة على ارتكابه، ولو لم ينص بعض الفقهاء عليه بالأدلة والبراهين تثبت ذلك والتي سوف يجري إيجازها باختصار كالفساد[5]. في قوله تعالى (إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فساداً) “[6]“. يعم ما يقع من الفساد في البر والدليل على ذلك قوله تعالى (ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون) “[7]“، و قال أبو بكر الجصاص قد علم بقوله تعالى (أحل لكم صيد البحر) أن المراد به بحر الماء”[8]“. واتساقاً مع هذه الأدلة فإن تأمين السبل البحرية التي تقوم بها مصالح الأمم والشعوب أمر واجب شرعاً ولا يمكن ذلك إلا بتطبيق أحكام الشريعة الإسلامية.
د: علاقة القرصنة البحرية بالإرهاب:
لغرض الوقوف على علاقة القرصنة البحرية بالإرهاب سيتم توضيح ذلك في تعريف الإرهاب في الفقه الإسلامي.ويعرف الإرهاب: بأنه “العدوان الذي يمارسه أفراد، أو جماعات، أو دول بغياً على الإنسان:” دينه،ودمه، وعقله، وعرضه، وماله” ويشمل صنوف التخويف، والأذى، والتهديد، والقتل بغير حق “[9]“. وما يتصل بصور الحرابة وإخافة السبيل وقطع الطريق، وكل فعل من أفعال العنف أو التهديد، يقع تنفيذاً لمشروع إجرامي فردي أو جماعي، ويهدف إلى إلقاء الرعب بين الناس، أو ترويعهم بإيذائهم، أو تعريض حياتهم، أو حريتهم، أو أمنهم، أو أحوالهم للخطر ومن صنوفه إلحاق الضرر بالبيئة أو بأحد المرافق والأملاك العامة أو الخاصة، أو تعويض أحد الموارد الوطنية، أو الطبيعة للخطر فكل هذا من صور الفساد في الأرض التي نهى الله سبحانه وتعالى عنها في قوله: (ولا تبغ الفساد في الأرض إن الله لا يحب المفسدين).”[10]“
هذا وبعد تعريف الحرابة والقرصنة البحرية والإرهاب في الفقه الإسلامي، يتضح عند التحليل أن الحرابة في تعريف الإرهاب تشمل جميع صنوف التخويف، وقطع الطريق، وإخافة السبل… إلخ، وهو مطابق لتعريف الحرابة في الفقه الإسلامي، ولكون القرصنة البحرية صورة من صور الحرابة واستناداً لذلك يمكن اعتبارها عملاً إرهابياً يتطلب التعامل معها وفق أحكام الشريعة الإسلامية”[11]“.
كما يرى البعض أن أفضل تعريف للقرصنة البحرية هو ذلك التعريف الوارد باتفاقية القضاء على الأفعال غير المشروعة الموجهة ضد سلامة لملاحة البحرية لعام 2005م المعدلة لاتفاقية روما عام 1988م لما يتميز به هذا التعريف من وصف الأفعال غير المشروعة التي تقع في البحر واتساع النطاق المكاني الذي يغطيه التعريف في المادة (4) منها ، وذلك لان اتفاقيتي جنيف وقانون البحار التي حددت مكان القرصنة في أعالي البحار وتحقق أحد أركانها منافع شخصية، ولم تشمل المياه الإقليمية والتي غالباً ما تحدث فيها أعمال السطو والقرصنة فيها ولهذا لم يتعرض القراصنة إلى مسائلة قانونية من قبل الدول القابضة لهم”[12]“. وخلاصة القول هنا من خلال التعريفات المختلفة للقرصنة البحرية لغة اصطلاحاً وفي الفقه الإسلامي و القانوني نلاحظ أن الجميع متفقون على محاربة المجرمين و قطاع الطرق، وعلى البواعث والأهداف التي توجه للحصول على المال، أو الاعتداء على الأنفس لتحقيق هدف خاص، ولكن الاختلاف في التسمية والمكان، حيث يطلق الفقه الإسلامي عليها الحرابة والاصطلاح القانوني يسميها القرصنة البحرية، وأيضاً الاختلاف في المكان، ففقهاء الإسلام قسم منهم حدد المكان البر والأخر حدد المكان البحر وكذلك في الاصطلاح القانوني فاتفاقية جنيف وأعالي البحار حددتا أعالي البحار مكان تنفيذ القرصنة ، واتفاقية روما واتفاقية عام 2005م إضافتاً لها المياه الإقليمية ، ولهذا فإن الاختلاف في تسمية القرصنة لا يؤثر على حقيقة الفعل والأحكام المقررة . ولذا يعزز البحث أراء غيرة بضرورة تعديل اتفاقيتي جنيف وقانون البحار لتواكب التطور والخطورة من جانب القائمين بأعمال القرصنة والسطو المسلح في المياه الإقليمية لغرض مجابهة الحالات التي لا تستطيع بها الدول المنهارة، وبأن تواجه هذه الأعمال داخل مياهها الإقليمية باعتبار فعل القرصنة جريمة دولية.
[1] – محمد مصطفي شلبي ،المدخل بالتعريف في الفقه الإسلامي، (بيروت، دار النهضة،1401)،ص 32-33.
[2] – محمد بن عبدا لله بن علي الخرشي “تحقيق زكريا” عميرات، مرجع سبق ذكره،،ص334.
[3] – موسى أحمد بن موسى الجحاوي، تحقيق : عبد الله بن عبد المحسن التركي،الإقناع لطالب الانتفاع، ” ج4 “، ( القاهرة،مركز البحوث والدراسات العربية و الإسلامية، 1418هـ )،ص269.
[4]– أبو الخير أحمد عطية،مرجع سبق ذكره،ص15.
[5]– أحمد بن علي الرازي الجصاص أبي بكر،تحقيق محمد الصادق قمحاوي ،أحكام القرآن ،ج4، (بيروت، دار أحياء التراث العربي،1412ه)،ص145.
[6] – المائدة،الآية 33- 34.
[7] – الروم،الآية 41 .
[8] – أحمد بن علي الرازي الجصاص أبي بكر،تحقيق محمد الصادق قمحاوي،مرجع سبق ذكره،ص145.
[9] – للمزيد أنظر : رابطة العالم الإسلامي ،المجمع الفقهي الإسلامي (مكة المكرمة، مجلة المجمع الفقهي الإسلامية،1423ه) ،ط15،ص491.
[10] – القصص،الآية 77.
[11] – أبو الخير أحمد عطية،مرجع سبق ذكره،ص17.
[12]– المرجع السابق ، ص18.