ملخص البحث:
منذ استقلال الجزائر لم يستكن حال الهوية الوطنية، وعكر صفوه في الكثير من الحالات ما عرف في العهد الاستعماري بالنزعة والأطروحة البربرية،
والمسألة الأمازيغية والقبائلية ومعها اللغة بعد الاستقلال، إذ تسارعت أحداث الصدام بين مطالب منطقة القبائل والسلطة السياسية،
وعرفت في ذلك سلسلة غير منتهية من الأحداث، سعى من خلالها مناضلوا القضية القبائلية بتحقيق ما أمكن من مطالبهم الثقافية الأساسية الممثلة في تدريس الأمازيغية كلغة كتابية في المدارس والجامعات الجزائرية،
وفي ذلك تمهيد لنقلتها من وضعه الشفهي الذي كان سائدا إلى زمن كتابي لها، إضافة إلى مطالب سوسيو اقتصادية وتنموية للمنطقة وأهمها الاهتمام بغبن المواطن القبائلي.
كل هذا يظهر أن الجماعة القبائلية تحس بذاتها عبر لغتها، وهو ما يطرح مشكل علاقتها بالجماعة الوطنية، لكن بالمقابل قبائلي الداخل لم يطالبوا على الإطلاق بالاستقلال السياسي، وإنما برغبة في الحصول على استقلال ثقافي ولغوي في إطار تعددية ثقافية ولغوية بالجزائر.
بالمقابل طالب رموز القضية الأمازيغية بفرنسا بالاستقلال السياسي لمنطقة القبائل وتمكينها من حكم ذاتي لجغرافيتها وشؤونها المختلفة، إلا أن ذلك لم يكن له صدى بالداخل، حيث توجه رموز القضية بالداخل إلى النضال المجتمعي وتمكنوا منذ ربيع 1980 من تحقيق مطالب ومكاسب متلاحقة، انتهت باعتراف الدستور ومن خلاله الرئيس بأمازيغية الجزائر واعتبار الأمازيغية والعربية لغتي الجزائر ومصدر هويتها.
بخصوص الفعاليات والمؤسسات التي اعتلت منبر الدفاع عن القضية الأمازيغية فقد انتقلت من فعاليات غير مؤسسة دستوريا إلى مهيكلة سياسيا مع التعديدية الحزبية التي لحقت أحداث أكتوبر 1988، من هذه المؤسسات الحزبية نذكر جبهة القوى الاشتراكية FFS بقيادة المناضل حسين آيت أحمد، والتجمع من أجل الثقافة والديمقراطية RCD، والذي يرأسه سعيد سعدي.
لكن الاحتجاجات التي عرفتها منطقة القبائل الجزائرية من أبريل 2001، إلى غاية 2009 كانت السمة المميزة لعلاقة القبائلي بالسلطة السياسية في الجزائر، والتي أدت إلى نقلة النضال القبائلي بانتقاله من مؤسسات وضعية حزبية إلى أطر تقليدية جمعوية شكلها السكان بالمنطقة، وسميت بالعروش لتنتقل بعد ذلك إلى تنسيقية تجمع كل العروش التي تشكلت في مداشر وقرى ومدن منطقة القبائل وبذلك تجاوزت القضية الأمازيغية الأطر السياسية المستحدثة للعودة إلى إطارها التقليدي الذي كان فاعلا في تحقيق أغلب مطالب ساكنة القبائل، في مقابل النضال الطويل لـ FFS وRCD اللذين لم يحققا للمنطقة شيء.
وبذلك أصبحت “تنسيقية العروش” كتنظيم قبائلي بربري قوي استطاع أن يكون التنظيم الأمازيغى الأقوى في منطقة القبائل ومنبرا للدفاع عنها، ولم تجد الحكومة غيره للتفاوض معه لحل أزمتها السياسية، وأصبح بلعيد عبريكة المتحدث باسم التنسيقية وزعيما بربريا جديدا، بعد أن انحصرت فاعلية الحزبين الأمازيغين السابقي الذكر، ولم يعد لساكنة المنطقة تفاعل معهما.
يجدر التذكير في الأخير أنه لا يمكن انتفاء الأمازيغ من خارطة الدفاع وأسلمة المنطقة وجهودهم الجهادية في سبيل العروبة والأسلمة والتحرير من الاستعمار، ويكفي أن أغلب اجتماعات الثورة ومؤتمراتها وقيادتها كانت بمنطقة القبائل، وفي التاريخ دائما كانت هناك زعامات ذات أصول أمازيغية هي من دافعت على الجسد الجزائر من التفكك والتمسخ إلى اليوم رغم كل جهود فرنسا في تفتيت البلد وبث نعاراته القبلية عبر ثنائية البربر ≠ العرب، الأمازيغية≠ العربية، المستأنس≠ المتوحش…..إلخ.
وتبقى المسألة الأمازيغية إلى اليوم تراوح علاقتها بالسلطة السياسية بالهدنة والمراوحة أحيانا أو الصدام في أحيان أخرى، ومعها تبقى تنسيقية العروش الفاعل السياسي المهم في معادلة العلاقة بين المنطقة والسلطة في الجزائر.
إشكاليا سنعالج في المداخلة هذه المسألة الأمازيغية بالجزائر من خلال مجموعة نقاط أهمها أشكلة الهوية في الجزائر بين الأمزغة والعوربة، عبر تدرج سوسيو تطوري وبنيوي لنسق العلاقة والتشكل الهوياتي والفيلولوجي بالجزائر، وصولا للإرهاصات السوسيولوجية لنسق القضية في الراهن السياسي والثقافي للجزائر وكيف تتعامل معها السلطة في 2011 في ظل مساعيها لتحديث الجزائر وتحقيق الديمقراطية والحريات.
يجدر في الأخير التنويه بكل منظمي المؤتمر والقائمين عليه، إنه لعمل صحي أن تشتغل مؤسساتنا الجامعية ومراكزنا الأفريقية بمفصلية هذه القضايا التي تؤرق كياننا اللغوي وهويتنا، والتي بإمكانها صياغة الحلول للخروج وللتعايش بيننا ومع الآخر.
د. بووشمة الهادي[1]
[1] قسم علم الاجتماع- جامعة سيدي بلعباس