لقد أخذت قارة إفريقيا حظا وافرا من الحروب الأهلية في العالم.
لا يكاد يخلو بلد من البلاد الإفريقية من نزاع عرقي أو صراع دموي على السلطة.
إذا ذكرت الحروب الأهلية في القارة السمراء فلا بد من ذكر الحرب الأهلية في الصومال والإبادة الجماعية في رواندا.
من المعروف أن الحرب الأهلية الصومالية من أطول الحروب الأهلية، حيث بدأت في عام 1991 في العاصمة الصومالية، وقبل ذلك في المناطق الحدودية في البلاد.
وما زالت هذه الحرب تارة تخف وتارة تخمد، وتارة تتجدد، وأخذت أشكالا مختلفة، ومرت بمراحل متنوعة.
بدأت في أول أمرها لإسقاط نظام محمد سياد بري، ثم تطورت إلى حرب قبلية بين قبيلتي دارود وهوية، ثم تطورت لتصبح حربا بين قبائل مختلفة وأخذت منحى فوضويا إلى أن جاء اتحاد المحاكم الإسلامية، واشتعلت الحرب من جديد بين الاتحاد وبين أمراء الحرب، وتدخلت القوات الإثيوبية بعد سيطرة المحاكم على العاصمة، وكان ذلك بطلب من الحكومة الانتقالية برئاسة عبد الله يوسف أحمد، ثم حدث انشقاق بين اتحاد المحاكم وظهرت على إثره حركة الشباب المجاهدين منبثقة من اتحاد المحاكم الإسلامية .
رغم كل ماحدث لم تصل الحرب الأهلية الصومالية إلى حد الإبادة الجماعية، وأغلب ضحاياها كانوا من الرجال المقاتلين.
ومن أصيب من الأبرياء كانت إصابته بسبب رصاصة طائشة أو صاروخ تائه أو غير ذلك من الأمور التي تكون حدثا غير مقصود بعينه.
ولذا لا تكاد تجد من كان يتعمد قتل الأطفال أو النساء في الحرب الصومالية، ومما يؤكد ذلك أن آلات القتل لم تكن سيوفا أو سواطير أو سكاكين، وإنما كان المقاتلون يحملون الأسلحة النارية من بنادق ومسدسات.
وهذا يعرفه كل من كان يعيش في الصومال في أثناء الحرب الأهلية، وحدث فيها أيضا اغتصاب النساء، لكنه لم يكن اغتصابا منظما وإنما كان عرضا أو نتيجة لنزوة شخصية من بعض أفراد المسلحين.
أما الحرب الأهلية التي حدثت في رواندا في عام 1994 فلم تكن حربا أهلية عادية.
إنها كانت إبادة جماعية بمعنى الكلمة، حيث استخدم رجال قبيلة الهوتو ذات الأغلبية في البلاد بعد اغتيال رئيسهم بإسقاط طائرته بصاروخ مجهول كل ما في أيديهم من أسلحة لقتل كل من ينتسب إلى قبيلة التوتسي ذات الأقلية.
وكان هناك تحريض في الإعلام المحلي ضد التوتسي بعد اغتيال الرئيس، وكانت قبيلة الهوتو يعتبرون التوتسيين صراصير إثيوبية يجب إبادتهم وطردهم من رواندا، فقتل عدد هائل منهم.
وما كان المسلحون من الهوتو يتركون طفلا أو امرأة أو شيخا أو عجوزا، بل كانت المجزرة منظمة بشكل محكم، وأغلب عمليات القتل كانت تتم بالأسلحة البيضاء من السيوف والسواطير والفؤوس والسكاكين.
كذلك حدث اغتصاب منظم لنساء وبنات قبيلة التوتسي، وكانت هناك معسكرات مخصصة لاغتصاب النساء ثم قتلهن، حتى الجار قتل جاره في هذه الإبادة.
لم يشترك المسلمون من قبيلة الهوتو في هذه المجازر بل أنقذوا أرواح كثير من قبيلة التوتسي، و كان هذا أمرا لافتا حيث تناول ذلك كثير من الصحفيين الغربيين الذين كانوا يغطون حرب الإبادة في رواندا بالتعليق في الصحف والمجلات.
هزت هذه الإبادة العالم بأسره وألفت كتب تتحدث عنها، وأغلب هذه الكتب عبارة عن جمع معلومات من شهود عيان في الميدان وكذلك صور تجسد تلك المجزرة البشعة التي تخرج الإنسان من إنسانيته.
رواند نفضت غبار المجزرة وأصبحت من أكثر البلاد أمنا بينما الصومال ما زال غارقا فيما كان فيه.
——————
بقلم مؤمن عالم
باحث دكتوراه ومدرس اللغة الصومالية بكلية الدراسات الإفريقية العليا – جامعة القاهرة