Site icon Daruur درور

القرصنة البحرية وبعض المفاهيم الرئيسية

القرصنة البحرية وبعض المفاهيم الرئيسية

     من المفيد عند إلقاء الضوء على جريمة القرصنة وتعريفاتها المختلفة لغة واصطلاحاً وفي المؤسسات والمواثيق الدولية المختلفة والفقه الإسلامي لابد من التعرف على ماهيتها وبعض المفاهيم المرتبطة بها وتطورها التاريخي لترسيخ مرتكزات أساسية تمكن القارئ  والدارس في القانون الدولي من تكوين منطلقات نظرية حول هذه الجريمة :

القرصنة البحرية وبعض المفاهيم الرئيسية
القرصنة البحرية وبعض المفاهيم الرئيسية

أولاً: المفاهيم العامة للقرصنة:

1ـ ماهية القرصنة البحرية:

     يعد مفهوم القرصنة من المفاهيم الضاربة في أعماق التاريخ الإنساني، ومنعاً للخلط والتدخل مع غيره من المفاهيم الأخرى سوف يتم توضيح بعض المصطلحات و التعاريف العامة لمفهوم القرصنة في اللغة والاصطلاح في الفقه والشريعة الإسلامية والاصطلاح القانوني. وبدية نتعرف على المقصود بالسطو على السفن والذي عرف بأنه: أي عمل غير مشروع من أعمال العنف أو الاحتجاز أو أي عمل من أعمال السلب أو التهديد بالسلب غير أعمال القرصنة يكون موجهاً ضد سفينة أو ضد شخص أو ممتلكات على متن تلك لسفن ويقترف ضمن ولاية حدود إحدى الدول.”[1]ويقصد بالسفن: جمع سفينة وهي كل منشاة قابلة للتنقل والتوجيه وتقوم بالملاحة على وجه الاعتبار”[2]“. كما يطلق على البحر الإقليمي: الجزء من المياه الملاصقة لشاطئ الدولة والممتد نحو أعالي البحار ويخضع لسيادة الدولة، ويتفاوت اتساع المياه الإقليمية حسب مصالح الدول ووجهة نظرها إلا أن اتفاقية الأمم المتحدة في المادة “3” نصت على ألا يتجاوز البحر الإقليمي “12” ميلاً بحرياً وبعض الدول تحدده بأقل من ذلك”[3]“.

   ويقصد بأعالي البحار: تلك المناطق من البحار والمحيطات التي لا تخضع لسيادة أية دولة ساحلية كانت أو غير ساحلية.”[4]” وسوف نوضح ذلك فيما بعد.

     والجدير بالذكر أن أعمال القرصنة ترجع إلى بدايات ركوب الإنسان البحر، واستخدام السفينة كوسيلة للنقل ، وقد ورد في القرآن الكريم في قول الله تعالى ( وَكَانَ وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْباً ) “[5]” ، وهذا يدلل على وجود لأعمال غير مشروعة تعترض الملاحة ووسائل النقل في البحار والمحيطات منذ ذلك العهد “[6]“، وإن كانت لا تعد قرصنة بالمفهوم الحالي ، لأنها تتم من قبل الملوك الذين يمتلكون السلطة في الدولة ، أما إذا وقفنا على الجذور التاريخية لظاهرة القرصنة البحرية نجدها تعود إلى أكثر من ثلاثة آلاف سنة قبل الميلاد”[7]” ، كما تبين من خلال وثائق تاريخية ومخطوطات يرجع تاريخها إلى العام 1350ق م ، تدل على وجود أعمال القرصنة في البحر الأبيض وشمال إفريقيا “[8]” ، ففي القرنين السابع والسادس قبل الميلاد أغار القراصنة على السفن التجارية التابعة لليونان القديمة مما هدد التجارة اليونانية المتعاملة مع الموانئ الفينيقية من قبل القراصنة ، وباتت تدفع فدية مقابل إطلاق سراح التجار اليونانيين المحتجزين من قبل القراصنة ، ولعل من بين الجزر التي أتخذها القراصنة مأوى لهم جزيرة رودس في القرن الثالث والثاني قبل الميلاد ، في حين تعد تركيا من بين الدول التي استخدمها القراصنة موقعاً للانطلاق منه في أعمال السلب والنهب التي يقومون بها، كما تعرضت التجارة الفينيقية واليونانية والرمانية لغارات القراصنة ، ومع بداية القرن الثاني قبل الميلاد أخذت القرصنة تنتشر بشكل واسع ، وأصبح للقراصنة أعرافهم وما يميزهم عن غيرهم نتيجة لرضا روما عن هذه الأعمال إذ سمحت للقرصنة بالانتشار لأنها تحقق مصالحها وأهدافها في ذلك الوقت ، هذه الإجراءات أدت إلى سطوة القراصنة حتى أصبحوا يهددون روما ويهاجمون السفن الرابضة في الموانئ ، ويعيثون فيها نهباً وقتلاً ، مما اضطر أباطرة الرومان وقادتهم إلى التصدي لهذه الظاهرة في أكبر عمل للقضاء على القرصنة في عام ( 67ق م ) ، إلا أن هذه الإجراءات ضعفت فيما بعد وعاد خطر القرصنة من جديد “[9]“، لذلك قام القائد الروماني بومباي عام (77 ق م ) بقيادة أسطول بحري مكون من 270 سفينة وآلاف الجنود والبحارة للقضاء على القراصنة ، فهزمهم ، وعمل على توطينهم .ويعتبر المؤرخ الروماني ” بوليسيو” أول من استخدم مصطلح ” قرصان ” في العام (140 ق م) كما أشير إليها في الأعمال الأدبية الإغريقية القديمة، مثل: الإلياذة و الأوديسا”[10]“.

    وقد استمرت القرصنة بعد الميلاد على قريب مما كانت عليه قبل الميلاد، ويعد التعريف الذي وضعه المؤرخ اليوناني ” بلوتارك ” في العام (100م)، من أقدم التعريفات للقرصنة والذي يشير فيه بأن القراصنة هم أولئك الأشخاص الذين يهاجمون السفن، وكذلك المدن الساحلية دونما سند من القانون “[11]“.ومع نهايات القرن الثامن الميلادي ظهر في أوروبا أشهر القراصنة وهم من أطلق عليهم حين ذاك ” الفايكنج ” وهم من (الدانمرك،والسويد، والنرويج حالياً)، وكان هؤلاء القراصنة يتصفون بالعنف والقسوة والاغتصاب، فاكتسحوا روسيا، وأسسوا مدناً وقاموا بفتح الطرق إلى القسطنطينية – اسطنبول حالياً، واستولوا على شمال فرنسا (منطقة نورماندي)، واستقروا بها حسب معاهدة (911م) مع ملك فرنسا “شارل الثالث”، وهاجموا سواحل شمال إفريقيا وايطاليا، وجميع سواحل بحر البلطيق، وصولاً إلى البحر الأسود “[12]“.

وقد انتشر في العصور الوسطى مفهوم آخر للقرصنة فحواه أنهم من لصوص البحر ، وشاعت ظاهرة القرصنة في القرنين الخامس عشر والسادس عشر ، وانحصر مصطلح القرصان في القرن الثامن عشر ليطلق على الأفراد الخارجين على القانون ، وفي تلك الحقبة ومع انهيار السلطة المركزية في الصين منذ نهاية القرن الثالث عشر الميلادي امتدت إعمال القرصنة لتطال سواحل الصين ، باستعمال سفن كبيرة ، وعرف القراصنة الصينيون وشبه الجزيرة الهندية بمهاجمة السفن التجارية الكبيرة ، إثر ذلك قام الإمبراطور الصيني “Zing ” (1405م – 1433م ) بعدة حملات لفرض السيطرة والنظام على الطرق البحرية ، وتوفير الأمن والسلام للسفن في السواحل الجنوبية الشرقية “[13]“.

بينما بلغت القرصنة ذروتها في نهايات القرن السابع عشر والقرن الثامن عشر ، ومع نمو السلطة المركزية القوية في اليابان خاصة خلال حكم ” التكنوجاوا ” ما بين عام 1603م وعام 1867م إبان حكم أسرة ” شمي يناج ” تم القضاء على القرصنة في الصين ، وفي القرن التاسع عشر ومع التطورات الحاصلة في المجال البحري والاهتمام المتزايد من قبل المجتمع الدولي بهذا المجال وبالإضافة إلى ازدياد حجم السفن التجارية ، وتطور دوريات الحراسات البحرية في الكثير من طرق الملاحة الرئيسية على المحيط ، فضلا عن الاعتراف العام من قبل المجتمع الدولي بجميع حكوماته بخطورة القرصنة ، مما أدى إلى حدوث تراجع في عمليات القرصنة ، إلا أن القرن العشرين قد شهد أعمال للقرصنة في بحر الصين الجنوبي “[14]“.

[1] – المنظمة البحرية الدولية، نشرة أعمال الندوة الدولية للأمن البحري بدولة الأمارات العربية المتحدة، 2002م،الشبكة العنكبوتية    (www.imo .OrgIsafety  ).

[2] – عبدا لمنعم داوود : القانون الدولي للبحار والمشكلات البحرية المغربية،( الإسكندرية،منشأة المعارف،بت )  ،ص15 .

[3] – عبد الواحد محمد الفار،القانون الدولي العام، (القاهرة، دار النهضة العربية، 1994م )،ص194 .

[4]– محمد بن عبدا لله بن علي الخرشي، “تحقيق زكريا عميرات “،حاشية  الخرشي ،ج8،(بيروت، دار الكتب العلمية،ط1، 1417 هـ)،ص334.

[5] –  الكـهـــفــــ الآية 79 .

[6]  –  محمد طلعت الغنيمي، قانون السلام في الإسلام، (الإسكندرية،منشأة المعارف، ( بت ) ،ص805.

[7]  – أحمد الرشيدي ومحمد عبدالمنعم ،جريمة القرصنة البحرية في ضوء أحكام القانون الدولي المعاصر، (القاهرة،منتدى القانون الدولي ،جامعة القاهرة، 2009م )،ص7.

8-, Razin ; The date of Piracy , http//www.dewsworld.com . piracy.htm.8 – Cindy Vallar

9 –  Zou Keyuan ; “ lssues of public international law relating to the crackdown of piracy in the south china Sea and prospects for regional cooperation ” , paper presented at Singapore Seminar , 22 . 10 . 1999.p4.

[10]  – أحمد الرشيد، محمد عبدالمنعم،مرجع سبق ذكره،ص8 .

11 – Hoist The Jolly Roger ; ” piracy. Maritime Terrorism and Naval strategy” ,( preliminary version; University of Copenhagen, 16 November 2008) ,p11.

[12]  –  ياتسيك ماخوفسكي،ترجمة : أنور محمد إبراهيم،تاريخ القرصنة في العالم، (  القاهرة،الهيئة المصرية للكتاب، 2008م )،ص42.

[13]  –  المرجع السابق،ص 43.

[14]– المرجع السابق، ص44.

 

Exit mobile version