الملخص العربي
تعد اللغات أحد أبرز ملامح الهوية القومية للمجتمعات وتطورها الثقافي ووسيلة اتصالها مع الشعوب الأخرى ، وهناك من يذهب إلي اعتبار اللغة مصدر من مصادر الاقتصاد والهيمنة العالمية والإقليمية ، وبالتالي فان الدول التي تعدد فيها اللغات بحكم تعدد المكونات الثقافية يمثل تهديد لوحدتها الوطنية من الناحية المعنوية أو المادية ، كما أن ذلك سيقود إلي تغير الخارطة الجيولغوية علي النطاق الوطني في ظل معطيات ومؤشرات عصر العولمة الأمر الذي دفع الكثير من المجتمعات إلي إتباع سبل متعددة لمواجهة ظاهرة تعدد لغاتها بما يؤمن لها استقرارا مجتمعيا وهوية تحدد توجهاتها محليا وإقليميا وعالميا .
ويري الكثير من الباحثين أن اللغة أقوي رباط معنوي بين الأفراد والشعوب متى تخاطب الأفراد بلغة واحدة تقارب تفكيرهم ونشأ فيهم شعور بالتعاطف يؤدي إلى التالف وتكوين أمة واحدة ، واللغة عماد الثقافة للشعوب ، والثقافة هي بمثابة الروح للأفراد ، بل يذهب الكثير إلي أن الشعوب ليست مجموعة من الأفراد يعيشون بمنطقة واحدة ولا يمكن أن يتكون هذا الشعور والإرادة والفكر إلا بوجود لغة واحدة بوصفها وسيلة اتصال فعالة في تشكيل هذا الشعور والإرادة .
بعد أحداث ثورة فبراير2011م في ليبيا برزت إشكالية الاختلاف الواضح في مكونات المجتمع الليبي ثقافياً ، وأصبح كل مكون ثقافي يستعين بلغته العرقية ويدفع بها في اتجاه استخدامها كلغة رسمية ، وأصبحت اللغات المحلية للعرقيات في ليبيا إحدى مظاهر الصراع السياسي والاجتماعي التي تقف في طريق صياغة هوية وطنية جامعة لكل أفراد المجتمع الليبي ، ومن هنا تبرز مشروعية دراسة مشكلة تعدد اللغات في ليبيا من وجهة نظر الجغرافيا السياسية ، وهل لخصائص التكوين الداخلي السياسي للدولة دور في بروز هذه المشكلة .
وتقوم هذه الدراسة على فرض أساسي ينطلق من أن عمليات الاندماج ستكون صعبة في كيان الدولة الليبية بحكم بروز العرقيات المحلية التي ستفرض لغاتها مما يضعف الانتماء وبناء هوية وطنية جامعة للدولة تضم كل المكونات الليبية مقابل صعود العرقيات والهويات المحلية بفعل عيوب الجغرافيا السياسية لليبيا.
تسعي هذه الدراسة إلي تحقيق بعض الأهداف من أبرزها : –
-محاولة تشخيص أسباب صعود اللغات المحلية الخاصة بالمكونات العرقية .
– معرفة عواقب تعدد اللغات في ليبيا وأثره على بناء الدولة .
– مواجهة الآثار السلبية لتعدد اللغات لتفادي عواقبها على بناء هوية وطنية .
وسيعتمد الباحث على عدة أساليب منهجية في هذه الدراسة منها :-
-الأسلوب التاريخي : الذي يقوم على تتبع ظاهرة معينة من خلال متابعه تطورها في فترات زمنية متعاقبة في محاولة لتفسيرها والكشف عن العوامل التي أدت إليها ولقد تم الاعتماد على هذا الأسلوب في دراسة التطور التاريخي للكيان السياسي الليبي وتاريخ المكونات الثقافية الليبية .
– الأسلوب الإقليمي : ويهتم الباحث فيه بدراسة وتحليل خصائص قوة أو ضعف الدولة وذلك من خلال دراسة العوامل المكانية المؤثرة في إقليم الدولة والمشكلات المتعلقة بها ومن أبرزها التوزيع الجغرافي للأقليات والخريطة اللغوية الليبية .
– الأسلوب المورفولوجي : يهتم بدراسة المظاهر الجغرافية الطبيعية والبشرية للدولة وأثرها على قوتها ، وهذا الأسلوب يركز على شكل الدولة ويتعامل معها على أساس إقليم جغرافي سياسي وكيفية تأثيرها على الانتماء والهوية بليبيا .
د خالد محمد بن عمور[1]
[1] أستاذ مساعد بقسم الجغرافيا / جامعة عمر المختار