اللغة الفرنسية بين المكسب الثقافي والشرخ الهوياتي في المجتمع الجزائري
المجتمع الجزائري
سنسعى من خلال هذه المداخلة لطرح جل المعطيات المرتبطة بالمرتكزات التي ساعدت اللغة الفرنسية على التغلغل وسط المجتمع الجزائري بعدما أصبحت تشير إلى التحضر والتميز وتكسب صاحبها مكانة اجتماعية، في حال ما إذا قورن ذلك باللسان الناطق بالعربية، فالفرنسية اليوم لغة لها حضور وتواجد كبير، لدرجة أنها أصبحت تطبع حتى الخطاب السياسي، فاللغة العربية (لغة المجتمع الأصلية والأصيلة) تعتبرمن دعائم الهوية والامتداد وكذا الانتماء،وتغييبها وتهميشها يصنف في خانة الانتهاكات التي تضع الأفراد في منعرج خطير وحساس، قد يصل إلى حد الاغتراب ووجود هوة كبيرة بين ما يعيشونه وما ينبغي أن يكون موجودا وهو ما يدخلهم في حالة صراع، ببساطة لأنهم لا يعرفون من هم ومن يكونون، فالمجتمعات قاطبة ليست ضد فكرة التحضر الانفتاح وتعلم لغات أجنبية كثيرة بما يخدم الأمة ويرتقي بها، لكنها تسعى جاهدة لترسيخ هويتها وإثباتها وإظهارها، وهو ما يتأتى من خلال لغتها وكثرة التداول والتعامل بها، فاللغة اليوم بطاقة هوية، تعكس قيمة المجتمع وأهميته ومدى تمسكه بواحدة من الثوابت المتجذرة عبر التاريخ، فاستحضارها يحيلنا إلى استمرارية الإنسان وراحته واستقراره ومعرفته من يكون، وتهميشها يرهن المجتمع ويدخله في متاهات لا حصر لها، والمثير في القلق أنه يدخله في حالة من الاغتراب التي من شأنها أن تتسبب في مشاكل كثيرة وعلى مختلف الأصعدة.
وعليه، فموضوعنا سيركز حول تواجد اللغة الفرنسية اليوم في المجتمع الجزائري وإفرازاتها، خاصة في ظل انقسام الرؤى، بين من يراها مكسبا ثقافيا حقق نقلة نوعية وارتقى بالمجتمع ووجهات أخرى تراها عاملا دخيلا أدى إلى الانسلاخ عن الهوية التي تصنعها اللغة العربية، ما يعني أن تبني لغة أجنبية واعتمادها كفيل بالتأثير في امتداد المجتمع وتشتيت بناءه ومن تم التسبب في مشاكل كثيرة.
فاللغة الفرنسية على هذه الشاكلة تعتبر إرثا استعماريا ترى فيه أوساط عديدة دلالة على التفتح والمكانة الاجتماعية الراقية وما دون ذلك (العربية) يحيل إلى التخلف والضبابية، وهي معطيات ألقت بضلالها على مختلف مناحي الحياة، لدرجة أنها أصبحت أمرا طبيعيا في المجتمع وغير العادي هو التحدث بالعربية خاصة في الخطابات الرسمية، وهي ثغرة وجب الحديث عنها من منطلق أنها تشكل خطرا حقيقيا على تركيبة المجتمع، بعدما كانت كفيلة بإحداث نوع من القطيعة بين التيار المفرنس والآخر المعرب، وهو ما تدفع ضريبته اليوم المؤسسات التربوية ببرامجها التعليمية والأجيال الصاعدة التي يبدو لها في أحايين كثيرة أن اللغة الفرنسية تحاصرها من كل جانب وهو ما يتعارض إلى حد ما ودستور البلاد الذي يشير أن العربية هي اللغة الوطنية الرسمية، فيما يظهر الواقع بمختلف تجلياته خلاف ذلك.
د. بلحاج حسنية[1]
[1] قسم علم الاجتماع، جامعة معسكر،الجزائر