حول تأسيس مركز لبحوث إدارة الأزمات والصراعات الأفريقية الدوافع المهام آليات التنفيذ
مما لا يختلف فيه من الفطناء اثنان، ولا ينتطح فيه عنزان، أن القارة الأفريقية التي نشرف بالانتماء إليها، هي قارة الأزمات والصراعات والنزاعات والكوارث بإمتياز؛ الأمر الذي يجعل منها مطمعًا للدول والقوى الكبرى؛ لنهب ثرواتها من خلال إثارة وتزكية الصراعات والنزاعات داخل وبين دول الجوار الأفريقي؛ مما يشكل ذريعة للتدخل الدولي للحد من الآثار الوخيمة لتلك الصراعات؛ بزعم ” التدخل لاعتبارات إنسانية – Humanitarian Intervention”، لا سيما مع توسع مفهوم “الأمن الإنساني – Human Security”، في سياق كونه جزءًا من منظومة المفاهيم الغربية،
ومن بينها مفهوم التدخل الدولي لاعتبارات إنسانية، والذي أصبح أداة للتفاوض والسيطرة على الدول النامية، تحت زعم تحقيق الأمن الإنساني في المناطق التي تعاني من أزمات وصراعات، ولا أدل على ذلك من النتائج الوخيمة للتدخلات الدولية في صراعات ونزاعات أفريقية من أبرزها: الصومال، رواندا، السودان “دارفور” و”جنوب السودان”؛
فخلاصة تجارب المجتمع العالمي في حقل التدخل الإنساني لم تكن موفقة في المجمل؛ إما لكونها أدت إلى سقوط الضحايا من المدنيين، أو لعجزها عن القيام بالمهام الموكلة إليها، أو لكونها خارج إطار الشرعية الدولية، أو تنفيذها لمخططات التقسيم.
وعلى ضوء خطورة الدور الذي لعبته المنظمات ومراكز التفكير الغربية ” Think Tanks” في اصطناع وتزكية الصراعات الدولية بصفة عامة والأفريقية بصفة خاصة، وعلى رأسها “مجموعة الأزمات الدولية – International Crisis Group”، التي لا أخَاُلني مبالغًا إذا قلت إنها مجموعة لصناعة الأزمات الدولية، والتي تضم في عضويتها اليهود المجري “جورج سوروس”، الممول الرئيس للمجموعة؛ بُغية الاستفادة منها في إنفاذ الخريطة الاستعمارية الجديدة؛ لتقطيع أوصال القارة، ونهب ثرواتها، وتمكين دولة الكيان الصهيوني “إسرائيل” من القيام بدورها في هذا الصدد وجني الثمار، لذا ينبغي على الدول الأفريقية وفي القلب منها مصر، التنبه إلى أهمية وخطورة تطبيق مفهوم الأمن الإنساني بـ”معايير ازدواجية – Double Standard” أو “انتقائية – Selective”؛ لخدمة الدول الكبرى، ومن ثم التحسب بسد الثغرات التي تنفذ من خلالها المنظمات الدولية “رهينة” الولايات المتحدة الأمريكية والدول الكبرى إلى الداخل الأفريقي،
وذلك من خلال تشكيل وعي دول القارة بأبعاد هذا التوجه، وشحذ إرادات الدول والشعوب الأفريقية تجاه التخلص من مسببات هذه المداخل الشيطانية، والذي نرى من خلال بحثنا هذا أن المدخل العلمي لمواجهتها هو واجب الوقت.
وفيما يتعلق بدوافع تأسيس المركز والمهام الموكله إليه،
وعلى ضوء ما ذكر آنِفًا، تبرز ضرورة تأسيس مركز لبحوث إدارة الأزمات والصراعات الأفريقية(*)، ولا يعني ذلك أن يُعنى هذا المركز بإدارة تلك الأزمات والصراعات كآلية للأمن الجماعي، بل يُعنى بتشكيل وعي الدول الأفريقية بتلك الأزمات وتداعياتها وسُبل حلها من خلال مدخل علمي بحثي، والمركز المقترح يعتبر بمثابة “مركز تفكير – Think Tank”، يتبع معهد البحوث والدراسات الأفريقية، جامعة القاهرة – وليس مركزًا للبحوث والدراسات بالمعنى التقليدي – وهو مركز بحثي مستقل يهتم بأبحاث السياسات العامة وتحليلها، وتوفير المعلومات، وتقدمها بطريقة موثوقة، ويستقرئ المسارات المستقبلية المحتملة؛ ليقوم بتقديم النصح والمشورة محليًا وإقليميًا وعالميًا، لمساعدة صناع القرار في الجهات الرسمية وغير الرسمية (مؤسسات، شركات، أحزاب، …) في اتخاذ القرارات المناسبة، ويُمَثِّل ضمن أهدافه الرئيسة، “منظومة للإنذار المبكر – Early Warning Alarm System” للأزمات والصراعات الأفريقية، من جهة، و”منصة – Platform” لإطلاق رؤى وإستراتيجيات التعاون الأفريقي العربي؛ لوضع السبل المثلى لحلها وتسويتها، والتنسيق الآني والمستمر مع المراكز البحثية والإستراتيجية المصرية – رسمية وغير رسمية – وكذا المراكز الإقليمية ذات الصلة بالأزمات والصراعات الأفريقية.
يُشار إلى أن المركز في مرحلة تأسيسة الأولى، قد يُعنى بالأزمات والصراعات السياسية، والتي هي بطريقة مباشرة من “صنع الإنسان – Man-made Disaster”، أما بالنسبة لـ ” الكوارث الطبيعية – Natural Disasters “، فيمكن التعامل معها في مرحلة لاحقة، حال توفر الموارد المالية واللوجيستية اللازمة، حيث إن هذا النوع من البحوث والدراسات يحتاج إلى موارد مالية ضخمة.
تجدر الإشارة إلى ضرورة إيلاء أهمية خاصة لظاهرة تزايد تأثير منظمات “الدبلوماسية الخاصة – Private Diplomacy”، مثل مركز الحوار الإنساني، ومبادرة إدارة الأزمات في الصراعات الدائرة في الجوار الأفريقي لمصر، وخاصة في ليبيا والسودان ونيجيريا ومالي وتشاد، على نحو قد يؤثر على المصالح الإستراتيجية المصرية.
ولا يفوتنا في هذا الصدد إدراك أن مراكز التفكير الإسرائيلية لها موقع متقدم عالميًا بين مراكز التفكير، بوجود 12 مركزًا ضمن الـ 55 مركزًا الأولى، من بينها المركز الخامس لمعهد دراسات الأمن القومي “INSS”، والمركز التاسع لمركز بيجين/السادات للدراسات الإستراتيجية.
وفيما يتعلق بآليات التنفيذ:
تمثل مصادر التمويل أبرز العقبات التي تواجه مثل هذه الكيانات،ولكنفي ضوء إدراك دور مراكز التفكير وتأثيرها – على الصعيدين الرسمي وغير الرسمي – يمكن محاكاة المركز لغيره من مراكز التفكير العالمية التي يتمتع الكثير منها بوضع متين ومستقر ومغرٍ ماليًا، وتتلقى دعمًا واسعًا من جهات رسمية وخيرية وشركات وأحزاب، ومتبرعون، مع مراعاة تفادي محاولات الاستفادة منه أو توظيفه بما يخدم برامج الجهات المانحة، بقدر المستطاع، وذلك بالتعويل على دعم المؤسسات والجهات الوطنية، ومن بينها: وزارة البحث العلمي في مصر – رغم محدودية مخصصاتها حاليًا – والوزارات المعنية بالتعامل مع دول القارة الأفريقية، ورجال الأعمال والكيانات الاقتصادية المحلية والإقليمية، والعائد المادي للبحوث والدراسات والإصدارات العلمية الصادرة عن المركز، ولا استبعد تخصيص وقف أهلي لهذا الغرض السامي.
وفيما يتعلق بـ “الهيكل التنظيمي – Organizational Structure“،
يتكون المركز من عدة وحدات بحثية، وفق نسق تنظيمي يتواءم وطبيعة المهام التي ينفذها (جارٍ نشر الهيكل في البحث المُقدم للمؤتمر).
ويمثل مقترح تأسيس مركز لبحوث إدارة الأزمات والصراعات الأفريقية، مدخلاً من مداخل التعاون المصري الأفريقي في مجالات شتى؛ لتعزيز مكانة مصر في أفريقيا من جهة، وعلى الصعيد الدولي من جهة أخرى.
ملخص بحث للمشاركة في:
مؤتمر الدراسات الأفريقية في سبعين عامًا: تقييم ورؤية مستقبلية
المحور الثالث: مكانة مصر في إفريقيا
التعاون المصري الأفريقي في المجالات المختلفة
عميد. حسين حمودة مصطفى
باحث دكتوراه، قسم السياسة والاقتصاد
معهد البحوث والدراسات الأفريقية
(*) الاسم المقترح هو “مركز بحوث إدارة الأزمات والصراعات الأفريقية”.