تعريف ومفهوم القرصنة البحرية لغة واصطلاحاً
تعريف ومفهوم القرصنة البحرية لغة واصطلاحاً
- تعريف القرصنة في اللغة: قَ رَصَ (القَرْصُ) بالأصبعين و(قرْصُ) البراغيث، لًسعُها و (القَرْصُ) و(القُرصة) من الخُبْر و(قَرَصَ) العجين قطعة قرصهً قرصه “[1]“. والقرصان: هما لصوص البحر ويعتبرها البعض لفظة مفردة،ويجمعونه على قراصنة، والاسم منه القرصنة وهي كلمة “إيطالية” الأصل. القُريْص: مرساة السفينة.
ويطلق علية القراصيا أو القراسيان “ن” وهي شجرة مثمرة من فصيلة الورديات، والقرصنة لغة: هي السطو على السفن.”[2]” وقياس الأسماء في اللغة عند الأصوليين وتسمية القرصنة البحرية حرابة ومناسبة ذكر القياس في اللغة هنا للوقوف على رأي الأصوليين وأهل اللغة في إطلاق اسم الحرابة على القرصنة البحرية من حيث التسمية،وكل منها يشكل اعتداء بالسطو وقطع للطريق على المارة إلا أن المتعارف عليه في الغالب إطلاق اسم الحرابة على ما يقع من السطو وقطع الطريق في البر وإطلاق اسم القرصنة البحرية على السطو على السفن وعلى قطع الطريق في البحر.”[3]“
ب-تعريفها اصطلاحاً:القرصنة: هي “ما يقوم به الأفراد في البحر العالي من أعمال العنف غير المشروعة ضد الأشخاص أو الأموال المستهدفة لتحقيق منفعة خاصة للقائمين بها”.”[4]“
وقد عرف القراصنة في الموسوعة العربية العالمية: بأنهم أشخاص يقومون بمهاجمة السفن وسرقتها وأطلق على هؤلاء صفات شتى منها مغامرون ويختلف القراصنة عن غزاة البحر فالقراصنة غير مرخص لهم من جانب أية دولة بينما كانت دولة معينة تجيز لغزاة البحر مهاجمة سفن العدو في زمن الحرب، لذلك لا يعتبر غزاة البحر قراصنة.”[5]“
في حين عرفها ” فوشي ” بأنها: تتمثل في قطع الطريق في البحر على السفن العابرة من دولة إلى دولة أُخرى وأنها تتحقق بحسب رأيه إذا توافرت ثلاثة شروط أساسية هي:
_ وجود سفينة على متنها مجموعة من الأشخاص يقومون بأعمال عنف وانتهاكات غير مشروعة.
_ أن يكون هذا العنف وتلك الانتهاكات موجهةً ضد السفن المبحرة بدون تفرقة.
_ أن تكون أعمال العنف في عرض البحر “[6]“.
ويذهب “Pella ” في تعريفه لجريمة القرصنة بأنها ” أعمال عنف يتم القيام بها بدافع المكاسب الخاصة، وهي موجهة ضد أشخاص بذاتهم، أو من أجل سلب أموالهم، في مناطق بحرية غير خاضعة لأية سيادة دولية معينة، وتؤدي إلى الإخلال بسلامة وأمن هذه المناطق ” “[7]“، ومن هذا التعريف يتضح أن القرصنة لا تقتصر على أعمال العنف والانتهاكات غير المشروعة فحسب، بل شاملة لكل أعمال السلب والنهب أو القتل إلى أخره من الأعمال العنف، متى ارتكبت في عرض البحر في أماكن غير خاضعة لسيادة دولة معينة. وعُرفت القرصنة بأنها ” اعتداء مسلح تقوم به سفينة لأشخاص في أعالي البحار، غير مصرح لها بذلك من جانب دولة من الدول، ويكون الهدف منه الكسب والحصول على الأموال باغتصاب السفن أو البضائع أو الأفراد” “[8]“.
بينما يعرفها “محمد السعيد الدقاق”: بأنها ” تلك الجريمة المتمثلة في الأعمال التي تنطوي على ممارسة أفعال عنف لتحقيق أغراض شخصية “[9]“، وهذا يدل على أن أعمال العنف التي تقوم بها دول ما لتحقيق مكاسب سياسية لا ينطوي تحت أفعال القرصنة.
كما عرف “محمد حافظ” القرصنة بأنها “هي كل عمل غير شرعي من أعمال العدوان، يرتكبه أشخاص على ظهر سفينة، وخاصة في البحار العالية، أو يحاولون ارتكابه ضد أشخاص أو ممتلكات على ظهر سفينة أخرى ذاتها، مع قصد النهب وسلب البضائع أو الأشخاص”[10]“.
3 –تعريف القرصنة في المؤسسات والاتفاقيات الدولية:
عدت القرصنة جريمة بحرية اتفقت الدول والإمارات قديماً على محاربتها، مما أدى إلى أن تكون عرفاً دولياً بشقيه المادي والمعنوي،ويعتبر القرصان عدواً للجنس البشري يجب الاقتصاص منه”[11]“. ومن هنا وجدنا من الملائم أن نستعرض دور المؤسسات الدولية المختلفة وفق التسلسل الزمني التي تعرضت لتعريف القرصنة ومن أهمها: مدرسة “هارفارد للقانون” “[12]“، كمبادرة منها للتصدي لتعريف القرصنة كجريمة دولية يعاقب عليها القانون قدمت مشروع اتفاقية عام1932م ؛ لغياب وجود تعريف متفق عليه لهذه الجريمة في مجال القانون الدولي في تلك الفترة ،حيث نصت مادتها الثالثة ، معتبرة بعض الأفعال عملاً من أعمال القرصنة والتي من أولها: أن أي عمل عنف أو نهب يتم ارتكابه بغرض السرقة، أو الاغتصاب ، أو الجرح أو الاستعباد ، أو قتل الأفراد وسرقة، أو سلب ممتلكاتهم ، بقصد تحقيق مصلحة شخصية ، بدون أي وجه حق بواسطة بحارين ، أو ركاب سفينة خاصة ، أو طائرة خاصة ، مسلطاً في أعالي البحار ضد سفينة أو طائرة أو أشخاص آخرين ، أو نهب أموال في نفس السفينة ، أو الطائرة أو أشخاص ، أو سرقة ونهب أموال تكون خارج الحدود الإقليمية لأي دولة يعد قرصنة . وثانيها: أن القيام بأي أعمال تطوعية، أو المساهمة في عملية تقوم بها سفينة، أو طائرة، مع العلم بالواقع الذي يجعلها سفينة أو طائرة قرصنة،وأخرها أن أي عمل تحريضي، أو التسهيل المتعمد لأي عمل من الأعمال الوارد ذكرها في الفقرتين السابقتين من هذه المادة، أو يسهل ارتكابها”[13]“. كما اندرج في هذا الاتجاه التعريف الوارد في اتفاقية جنيف لأعالي البحار عام 1958م”[14]“. فقد تناولتها في موادها من المادة 14حتى المادة 22، حيث نصت المادة 15 من هذه الاتفاقية وتحديداً في الفقرة الأولى على أن أي عمل من الأعمال التالية تكون قرصنة: “أي عمل غير مشروع من أعمال العنف أو حجز لأشخاص، أو السلب يرتكب لأغراض خاصة بواسطة ملاحي، أو ركاب سفينة، أو طائرة خاصة أو موجهاً في أعالي البحار ضد سفينة أخرى، أو طائرة أو ضد الأشخاص، أو الأموال في السفينة ذاتها، أو الطائرة ذاتها، أو ضد سفينة، أو طائرة أو أشخاص أو أموال في مكان يقع خارج نطاق الاختصاص الإقليمي لأية دولة.وفي الفقرة الثانية اعتبرت أن أية مساهمة إرادية في عملية تقوم بها سفينة أو طائرة مع العلم بالواقع الذي يجعلها سفينة أو طائرة قرصنة. كما يعد أي من أعمال التحريض أو التسهيل عمداً لأي من الأعمال التي ورد وصفها في الفقرتين 1 و2 من هذه المادة أو تسهيل ارتكابها”[15]” كما بينت المادتين 16و17منها حالتين تعد تعريفاً للقرصنة:أولهما: أعمال القرصنة كما حددتها المادة 15 إذا ارتكبت بواسطة سفينة حربية أو سفينة حكومية أو طائرة حكومية تمرد طاقمها وتمكن من السيطرة عليها. وثانيهما: تعد السفينة أو الطائرة من سفن أو طائرات القرصنة البحرية إذا أن الأشخاص الذين يسيطرون عليها يهدفون إلى استعمالها بقصد ارتكاب أي من الأعمال التي حددتها المادة 15″[16]“.
وبتحليل نص هاتان المادتان يوضح اقتصر تعريفهما علي النطاق المكاني أي ما يقع في أعالي البحار، لأن هذه الاتفاقية خاصة بأعالي البحار ولم توضح ما يقع من أفعال في المياه الإقليمية، و أقرت اتفاقية الأمم المتحدة الشاملة لقانون البحار عام 1982م إجراء إصلاحات على هذه الاتفاقية حيث جاءت المادة 101 منها في تعريف القرصنة البحرية متفقة في معظم فقراتها مع اتفاقية جنيف 1958م وهذا التعريف معتمد لدى المنظمة البحرية الدولية إلا أن هذه الاتفاقية تعنى من حيث المكان أعالي البحار ولم تعالج ظاهرة القرصنة في المياه الإقليمية كما ذكرنا “[17]“.
وأتت اتفاقية روما عام 1988م بتعريف مجمل للقرصنة البحرية يتضمن العناصر الجوهرية لها ، وذلك للقضاء علي الأفعال غير المشروعة ضد سلامة الملاحة البحرية ، حيث نصت المادة (3) من هذه الاتفاقية في تعريف القرصنة على أن أي شخص يقوم بالتعدي ويرتكب عن عمد ، وبطريقة غير قانونية أي عمل من الأعمال التي سيرد ذكرها فيما بعد تعتبر عملاً من أعمال القرصنة، وهذه الأفعال هي الاستيلاء ومحاولة السيطرة على السفينة بالقوة ، أو التهديد ، أو ممارسة أي عمل من أعمال العنف ضد شخص على السفينة وكان هذا الفعل من شأنه أن يعرض سلامة ملاحة السفينة الأجنبية للخطر ، أو يتسبب في إحداث ضرر للسفينة، أو بضاعتها لوضع أي جهاز أو مادة في السفينة بأية وسيلة والتي من شأنها أن تتسبب في تدمير السفينة أو إحداث ضرر فيها أو في البضائع التي على متنها، أو يتسبب في تدمير، أو إحداث أضرار شديدة في التسهيلات لملاحية البحرية أو يسبب تداخلاً أو تعارضاً شديداً في تشغيلها أو أي معلومات يعلم أنها غير صحيحة (مزيفة) من شأنها أن تعرض سلامة ملاحة السفينة للخطر، أو يتسبب في إصابة أو قتل أي شخص سبب ارتكاب أو محاولة ارتكاب الأفعال السابقة وفي المادة 4 شملت الإبحار في المياه الإقليمية”[18]“. وقد أدخلت تعديلات على هذه الاتفاقية. وبالتالي جاءت اتفاقية عام 2005م لاستكمال القصور في اتفاقية عام1982م بتعريف القرصنة من خلال تعدد الأعمال غير المشروعة حيث نصت المادة 3 منها على:
أولاً: يرتكب أي شخص جرماً في مفهوم هذه الاتفاقية إذا ما قام بصورة غير مشروعة وعن عمد بما يأتي:
- الاستيلاء على سفينة أو السيطرة عليها باستخدام القوة أو التهديد باستخدامها أو بانتقال أي نمط من أنماط الإخافة.
2- ممارسة عمل من أعمال العنف ضد شخص على ظهر السفينة إذا كان هذا يمكن أن يعرض للخطر الملاحة الآمنة لتلك السفينة.
3- تدمير السفينة أو إلحاق الضرر بها أو حمولتها مما يمكن أن يعرض للخطر الملاحة الآمنة لتلك السفينة.
4- الإقدام بأية وسيلة كانت على وضع، أو التسبب في وضع بنيطة (جهاز تدمير) أو مادة على ظهر السفينة يمكن أن تؤدي إلى تدميرها أو إلحاق الضرر بها أو بحمولتها مما يعرضها للخطر، أو قد يعرض الملاحة الآمنة لتلك السفينة للخطر.
5- تدمير الأرصفة والمواقف الملاحية البحرية أو إلحاق الضرر البالغ بها، أو عرقلة عملها بشدة إذا كانت هذه الأعمال يمكن أن تعرض الملاحة الآمنة للسفن للخطر، أو نقل معلومات يعلم ذلك الشخص أنها زائفة مما يهدد الملاحة الآمنة للسفينة.
ثانياً: كما يعد أي شخص ارتكب جرماً إذا ما قام بالتهديد المشروط أو غير المشروط ـ طبقاً لما ينص عليه القانون الوطني بارتكاب أي من الأفعال التي تنص عليها الفقرات الفرعية “ب ” و “ت” و “ج” من الفقرة “1”ـ بهدف إجبار شخص حقيقي أو اعتباري على القيام بعمل ما، أو الامتناع عن القيام به إذا كان من شأن هذا التهديد أن يعرض الملاحة الأجنبية المعنية للخطر.ثالثاً: ونصت المادة “4” من هذه الاتفاقية إذا أتت لسفينة تبحر أو تزمع الإبحار في مياه واقعة وراء الحدود الخارجة للبحر الإقليمي لدولة منفردة…الخ”[19]“.
واتساقاً مع التعريفات السابقة يمكن تعريف القرصنة بأنها ” أي عمل إجرامي سواء كان هذا العمل بالتهديد، أو الضرب، أو الاستيلاء، أو السلب أو النهب، أو القتل، يتم في عرض البحر من قبل جماعة إجرامية منظمة ضد جماعة أخرى، ومن قبل سفينة ضد سفينة أخرى، بهدف الحصول على الربح الخاص أو بهدف تحقيق مصالح سياسية لدولة ما “[20]“.
[1] – محمد بن أبي بكر الرازي ،مختار الصحاح، ( بيروت،المكتبة العصرية،ط4، 1418هـ )،ص251.
[2] – المنجد في اللغة والأعلام، ط34 ، ( بيروت ، بدون دار نشر، 1994 م)،ص620.
[3]– أحمد بن فارس،”تحقيق عبد السلام هارون ” ،مقياس اللغة،(القاهرة،مكتبة الكليات الأزهرية، ب. ت ) ،ص40.
[4] – محمد سامي عبد الحميد و”آخرون” ،القانون الدولي العام، ( الإسكندرية،منشأة المعارف، 2004م )،ص554
[5]– الموسوعة العربية العالمية، “القرصان “،ط2،( القاهرة،المركز الثقافي جمعية الرعاية المتكاملة، 1999م)،ص155 .
19 – Fauchille, trait de droit international public, T.I. paris, ( 1923), p870.
20 – Pella , V., La repression de la piraterie,( Hague Recueil, 1926 ), P169.
[8] – عبد العزيز سرحان ،القانون الدولي العام، (القاهرة،دار النهضة العربية، 1969م )،ص367.
[9] – محمد السعيد الدقاق ،مصطفى سلامه ،القانون الدولي العام، (الإسكندرية،الهدى للمطبوعات، 2000م )،ص371.
[10]– محمد حافظ غانم،مبادئ القانون الدولي العام،(القاهرة،دار النهضة العربي،ط3 ،1972م)،ص455.
[11]ـ نواره مفتاح مسعود العوراني،المسئولية الدولية عن أعمال القرصنة البحرية،رسالة ماجستير غير منشوره، مقدمة لكلية القانون،جامعة سرت،2010م،ص25.
[12]– مدرسة هارفارد للقانون: تابعة لجامعة هارفارد في كامبردج بولاية “ “Massachusetts في الولايات المتحدة الأمريكية.
[13]– علي صادق أبو هيف ،القانون الدولي العام، ( الإسكندرية،منشاة المعارف ،د ت ) ،ص388.
[14] – محمد المجذوب،الوسيط في القانون الدولي العام، (بيروت،الدار الجامعية، 1420ه-) ص 353، 356.
[15] – علي صادق أبو هيف،مرجع سبق ذكره،ص ص 388 ، 389.
[16] – مفيد شهاب ،قانون البحار الجديد والمصالح العربية،(القاهرة،معهد البحوث الدراسات العربية، د ت) ص162.
[17] – اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار لعام 1982،المادة 101.
[18] – في ضوء النقد الموجه لاتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار عام 1982 م تم إبرام اتفاقية روما 1988م ودخلت هذه الاتفاقية حيز التنفيذ عام 1992م ووقعت عليها 30 دولة حتى عام 2002م.
[19]– للمزيد انظر : المرجع السابق .
[20]– للمزيد انظر: أبو الخير أحمد عطية،الجوانب القانونية لمكافحة القرصنة البحرية، (القاهرة،دار النهضة العربية،2009م)،صص134-140.