Site icon Daruur درور

تأثير التعاون الا قتصادي والتجاري بحوض النيل الشرقي على الأمن المائي

تأثير التعاون الا قتصادي والتجاري بحوض النيل الشرقي على الأمن المائي

مما لا ريب فيه تُعد كافة أشكال التعاون الإقتصادي والتجاري في إطار التفاعل بالنسق الإقليمي والدولي هي إحدي آليات تعزيز الأمن والسلم الدوليين لخلق مصالح تعاون مشترك يتناغم ذلك مع تحقيق الأمن القومي وهو مرتبطاً طردياً بالأمن المائي بحسب المدراس النظرية “للأمن القومي” وجوهره تحقيق التنمية الإقتصادية يأتي من خلال التنمية ومترادفات التنمية المستدامة متسقاً ذلك تارةً لما أوضحه “روبرت مكنمارا” وزير الدفاع الأمريكي الأسبق وأحد مفكري الإستراتيجية البارزين في كتابه “جوهر الأمن”. “إن الأمن يعني التطور والتنمية” في ذات السياق تُعد التجارة والتعاون الإقتصادي من أهم مرتكزات التنمية الإقتصادية وتحقيق الأمن والسلم في إفريقيا وآفاق جديدة، فالتجارة المتبادلة وتجارة الحدود والترانزيت وفتح المعابر والدفع بالتجارة البينية وتجارة اللوجستيات وخلق سياسات تعاون تكون قاعدة لصياغة إستراتيجية للتعاون الإقتصادي بالإقليم مما يحقق أهم مستويات نظرية الأمن الدولي (الأمن ما دون الدولي – الأمن الإقليمي).

تأثير التعاون الا قتصادي والتجاري بحوض النيل الشرقي على الأمن المائي
تأثير التعاون الا قتصادي والتجاري بحوض النيل الشرقي على الأمن المائي

أولاً: أهمية الدراسة:

تنبع أهمية الدراسة لمحاولة صياغة سياسات تعاون إقليمي بحيث تعمل آليات الإقتصاد والتجارة لتحقيق الأمن المائي والغذائي كآليات منظومة الكوميسا ومنظمومة منطقة التجارة العربية الحرة الكبري وغيرها من التكتلات الإقتصادية العالمية. وإعداد منظومة لمواجهة العولمة والإنفتاح الإقتصادي في ظل تباطوء مخرجات الإصلاح الإقتصادي. والإنضمام المتأني لآلية منظمة التجارة الدولية بما يضمن تحسين الميزان التجاري بالصادرات لإثبات التفاعل الديناميكي للهيكل الإقتصادي بقطاعات الزراعة والصناعة والخدمات والمياهـ والكهرباء.

البعد الأول: الأهمية العلمية (النظرية): معظم الدراسات تناولت تأثير التعاون الإقتصادي بحوض النيل الشرقي دون إدخال أهم المتغيرات الإستراتيجية وهي المياه؛ لاسيما أن بعض الأدبيات عملت لتأجيج الصراع المائي وتارةً بنظريات المؤامرة. بيد الرصانة بالدراسات الإستراتيجية تساعد مُتخذي القرار علي التحليل وتفسير التداخل الجيوبلوتيكي والجيوإستراتيجي، لإرتباطها البنيوي بأثر تدخلات القوى الخارجية بالنظام الإقليمي المائي وإثتتباب الأمن السلم الدوليين. فبات الأمن المائي يمثل إهتماماً لصانعي القرار.

البعد الثاني: الأهمية العملية (التطبيقية): بات واضحاً بأن للأمن المائي تقاطعات مع قطاعات الموارد المائية والزراعة والري والصناعة والتجارة، والمقننات المائية بمجالات البيوتكنولوجي، وتقطاعات مع السياسة الخارجية والدبلوماسية والقانون الدولي والإتفاقيات بحوض النيل الشرقي، وتقاطعات مع البيئة التشريعية ومنظمات المجتمع المدني، وتقاطعات مع الإعلام وأهميته في التثقيف، وتقاطعات التدخلات الدولية كالأقطاب الدوليين الفاعليين بقضايا المياه والمؤسسات الأممية. هذه التقطعات الحادة تفرض التعاون المائي المشترك بين دول حوض النيل الشرقي وغيرهم من الشركاء وربط المياه بالتعاون الإقتصادي والتجاري لتقليل ناقوص الحروب وإفتداح الخطوب وإشعال الصراع السياسي بالإقليم.

ثانياً: مشكلة الدراسة:

تتمحور المشكلة الرئيسية بالدراسة بالرغم من الرصيد العالي بالعلاقات بين دول حوض النيل الشرقي ظل التعاون الجانب الإقتصادي والتجاري والسياسي والأمني أقل من الطموح فتارةً تصبح بحالة من التنافس وتضارب المصالح والتوجهات، وتزداد المشكلة تعقيداً في كيفية صياغة سياسات تعاون إقليمي مشترك تستقطب البُعد الإقتصادي والتجاري تُصلح لأن تكون إستراتيجية تعاون مائي إقتصادي …الخ ليحقق إستراتيجية تعاون إقليمي لحوض النيل الشرقي. إن دراسة التفاعلات بنظم العلاقات الدولية تتسم بالتغيرات السريعة والمفاجئة وهو ما حدا برواد المدرسة الوظيفية الحديثة “البرجماتية السياسية” ربط الدورة الإقتصادية كونها داعم لإستقرار المصالح المشتركة بتفاعل بيئة العلاقات الدولية.

منذ تأسيس مبادرة حوض النيل 1999م لم يحدث وفاق، عادّ مجلس وزراء دول حوض النيل بالإجتماع غير العادى بكينشاسا بالكونغو 21 مايو 2009م كان مقرراً وضع الترتيبات النهائية لإتفاقية إطارية بين دول الحوض، لكن تفاجأ المفاوض الوطني بخلو الإتفاقية من الحقوق التاريخية بل أعطت دول المنبع والبحيرات الإستوائية والحبشية بالحق في بناء ما تشاء من سدود ومشاريع مائية، ظلت الخلافات محتدمة حول البند (14 ب) الخاص بالأمن المائي يتضمن عدم المساس بحصة السودان ومصر من مياه النيل وحقوقها التأريخية وأن ينص علي الإبلاغ المسبق عند قيام المشروعات وضرورة تعديل البند (34 أ) و (34 ب) بحيث أن جميع القرارات الخاصة بتعديل أي بنود من الإتفاقية أو الملاحق بالإجماع وليس بالأغلبية، وفي حالة التمسك بالأغلبية فيجب أن تشمل الأغلبية دولتي المجري والمصب (السودان ومصر). إقترحت دول المنابع السبع وضع بند الأمن المائي رقم (14 ب) في ملحق الإتفاقية وإعادة صياغته بما يضمن توافق دول حوض النيل خلال ستة أشهر من تاريخ التوقيع وإنشاء هيئة حوض النيل. لكن مصر رفضت هذا المقترح، وتكرر الفشل في إجتماع الإسكندرية المنعقد بتاريخ 28 يوليو 2009م حيث تم الإتفاق على مهلة 6 أشهر للمشاورات غير الرسمية لكن بإجتماعات شرم الشيخ فى أبريل 2010 فشلت المبادرة وتشكلت مجموعة دول عنتبي نتيجة تمسكت دول المنابع بموقفها ودولتي المصب بموقفهما، بل أعلنت دول المنابع السبع إبرام إتفاقية عنتبي بأغلبية دول الحوض في 14 مايو 2010. تجلي ذلك المنهج الأحادي عشية فشل إجتماع وزراء شئون المياه بحوض النيل في أبريل 2010م والعمل علي إنشاء مفوضية إطارية جديدة لتقنين سابق الإتفاقيات المائية وبخاصةً إتفاقيتي 1929/1959م.

ثالثاً: التساؤلات الفرعية للدراسة:

وإنطلاقاً من الإشكالية الرئيسية يتم طرح الإشكاليات الفرعية، في الآونة الأخيرة أصبحت قضية المياه ليست حكراً “لمهندسي الهيدرولوجي” وأصبحت المياه ذات أبعاد متداخلة وهو ما جاء طرحه بقمة الأرض بالعام 1992م في مدينة ريوجانيرو بالبرازيل، وصارت المياه ضمن آليات التجارة العالمية وإعتماد التكلفة البلديلة لمفهوم إقتصاديات المياه، وهي مازالت مطرحة ضمن مفاوضات السلع والحاصلات الزراعية وسلع الخدمات المستهلكة للمياه، أو تلك التي تؤدي لتدهور وخواص المياه بيئياً وأيكولوجياً وتطور مفهوم الأمن المائي. بيد إننا ندرك أهمية عامل التعريفة في إدارة المياه وحتمية اليوم الذي ستحدث في تسعير وتجارة المياه ضمن آليات منظمة التجارة الدولية. وبات واضحاً من إلزامية عمل موائمة بين كلفة المياه كقيمة سعرية وبين حق المحافظة عليها مورد طبيعي إقتصادي والتحدي هو إيجاد توازن بين التكلفة والمحافظة على الموارد المائية.

عليه بناءاً من الإشكاليات الرئيسية والفرعية يتم عدد من التساؤلات وصياغة الفرضيات المقبولة حول تأثير التعاون الإقتصادي والتجاري بحوض النيل الشرقي علي الأمن المائي… بمعني نمط التفاعلات وتحليل المدرسة الوظيفية الجديدة لظاهرة العلاقات الدولية بمختلف أطوارها وهل هناك إمكانية لصياغة علاقات تعاون إستراتيجي؟ وهل يمكن التنبؤ بإستراتيجية العلاقات كبداية بحوض النيل الشرقي لاسيما عقب التوصل لإتفاقية المبادئ لسدّ النهضة والتي أنهت ردحاً من الزمان للصراع بين الدول الثلاثة؟ هل مؤدي ذلك للتقارب بين دول حوض النيل الشرقي؟ هل يُعد ذلك إنوذجاً “إمبريقياً” إختبارياً؟ إلي أي مدي تحصن العلاقات السياسية بالمصالح الإقتصادية “البرجماتية السياسية”؟.

رابعاً: حدود مشكلة الدراسة:

الحدود المكانية: السودان وإثيوبيا ومصر.

الحدود الزمانية: إتفاقيات مياه النيل بلغت جملتها 15 إتفاقية منذ برتوكول روما 15 ابريل 1891م. ثم المعاهدة بين بريطانيا وإمبراطور الحبشة “منليك الثاني” وتم التوقيع عليها بتاريخ 15 مايو 1902م. ثم إتفاقية تأمين وصول النيل الأزرق وروافده والموقع عليه بلندن في 13 ديسمبر 1906م. المذكرات المتبادلة وإعتراف إيطاليا للحقوق التاريخية والمكتسبة للسودان ومصر علي النيل الأزرق والنيل الأبيض وعلي روافدهما وتتعهد إيطاليا بالامتناع عن أي عمل يكون من شأنه الإضرار بكمية المياه التي تصل نهر النيل من هذه الروافد النيل الأزرق والأبيض بالفترة من 14 – 20 ديسمبر 1925م. هذه المذكرات تحمل إعتراف إيطاليا بالحقوق التاريخية. إتفاقية 7 مايو 1929م بداية حقوق السودان المائية بـ 4 مليار م3 سنوياً ومصر 30 مليار م3 سنوياً بناءاً علي دراسة لجنة برئاسة السير/ مردوخ ماكدونالد وتم نشر تقريره في العام 1920م. ثم إتفاقية الإنتفاع الكامل لمياه النيل الموقعة في 8 نوفمبر 1959م وأعطت للسودان 18,5 مليار م3 سنوياً ومصر 55,5 مليار م3 سنوياً. وصولاً إلي “إتفاقية المبادئ بشأن سدّ الهضة بين السودان وأثيوبيا ومصر” والذي وقع بالخرطوم في 23 مارس 2015م.

خامساً: فرضيات الدراسة:

إنطلاقاً من هذه الإشكالية والتساؤلات قمنا بصياغة مجموعة من الفرضيات التي أظهرت لنا بأنها عناصر مناسبة للإجابة على التساؤلات من جهة وموجهة لمسار علي ما يلي من فرضيات:

1/ إن الأمن المائي أصبح شاملاً لقطاعات الإقتصاد (كالتجارة الموارد المائية والري والزراعة والصناعة والإستثمار وتنمية الحدود) وقطاعات السياسة الخارجية (كالدبلوماسية والإتفاقيات والقانون الدولي والتعاون الدولي والتنمية الإقتصادية الدولية والمنظمات والهيئات المائية الدولية) والقطاع الأكاديمي والبحثي (مراكز الدراسات الإستراتيجية والأبحاث الأكاديمية بالجامعات والمعاهد البحثية المتخصصة) والقطاع التشريعي (المجلس الوطني والمجالس التشريعية الولائية ومجلس الولايات) والقطاع العسكري والأمني وقطاع الثقافة والإعلام (الصحف وكافة ميديا الإعلام المسموع والمُشاهد والكتاب والمؤلفيين والمسرح والسنما) وتأثر الأمن المائي بميكانزم ديناميكي لإنعكاسات تلك القطاعات نحو صياغة الإستراتيجية المائية للأمن المائي والغذائي.

2/ إن تفكيك وتشريح أذرع الأمن المائي من خلال رؤية كافة القطاعات ذات ميكانزم ديناميكي تفاعلي يساعد علي وضوح الرؤية والسياسات الكلية المستصحبة لدور كافة القطاعات بالأمن المائي والغذائي.

3/ إن فتح المعابر والحدود البرية والنهرية والبحرية يُسهل من عمليات التعاون اللوجستي والإقتصادي والتجاري ويعمل علي تواصل شعوب الإقليم ويخفض التكاليف ويساعد علي زيادة الإنتاج والإنتاجية وتأمين الحدود عبر خلق تجمعات سكانية بالتجارة عبر الحدود ويقلل من الهاجس الأمني الوهمي.

سادساً: أهداف الدراسة:

البُعد الأول: الأهداف المعرفية (النظرية):

1/ إن قدرة دول حوض النيل الشرقي علي حماية مواردها الإستراتيجية وتحقيق أمنها المائي عبر آليات عدة، بإستخدام آليات التعاون الإقليمي وإنهاء الصراعات عبر الحوار والتعاون فعَمِدت لصياغة الإستراتيجية التعاونية Cooperative Strategy “مبدأ الكل رابح” أو “المباراة غير الصفرية” والتفاوض الدبلوماسي الإيجابي.

2/ إن التعاون التجاري والإقتصادي يُعد صمام الأمان لتحقيق الأمن المائي الوطني والإقليمي وتحقيق السلم والأمن الدولي والإقليمي. مما يتطلب التوسع في الإستثمارات وزيادة حجم كثافة التجارة المشتركة.

3/ ألتحقق من مدى خطورة غياب الإطار القانوني الجامع في العلاقات بين ودول حوض النيل.

البُعد الثاني: الأهداف العملية (التطبيقية):

1/ ماهية العلاقة (معرفة العلاقة) بين محدودية الموارد المائية والصراع الدولي في حوض النيل وخاصةً حوض النيل الشرقي.

2/ العمل علي تحييد الأطراف الخارجية والفاعليين الدوليين كمهدد علي الأمن المائي بإشراكهم ضمن إطار تنمية الإقليم ويُسمح لهم بإستثمارات زراعية وصناعية وخدمية دون بيع أو نقل المياه لإسرائيل.

3/ إن تقليل الآثار والمهددات الأمنية جراء التدخلات الدولية بأفريقيا يتطلب قدرة دول حوض النيل الشرقي علي التعاطي البرجماتي للحوار مع المجتمع الدولي دون حدود وحواجز ليشمل إسرائيل بهدف تحقيق الأمن الوطني والأمن المائي بحوض النيل.

سابعاً: منهج الدراسة:

تم إستخدام عدة مناهج للدراسة المنهج الإستقرائي والإستنباطي والتحليلي والإستعانة بالنظريات مدارس الأمن القومي في إطار التنمية، ونظريات المياه الإفتراضية وإقتصاديات المياه وإنعكاساتها علي الأمن المائي.

ثامناً: هيكل تقسيم الدراسة:

المبحث الأول: الإطار النظري والمفاهيمي.

المبحث الثاني: التعاون الهيدرولوجي والإطار القانوني بحوض النيل.

المبحث الثالث: التعاون التجاري والإقتصادي بحوض النيل الشرقي.

المبحث الرابع: رؤية مستقبلية للأمن المائي بحوض النيل الشرقي.

* الخاتمة – النتائج – التوصيات

* المراجع

* الملاحق

أ.أحمد المنتصر حيدر

مركز السودان للبحوث والدراسات الإستراتيجية

دائرة الدراسات الإستراتيجية

 

جـذور العلاقات الحبشية – اليهودية وأثرها على مصالح مصر المائية

Exit mobile version