الصومال في السينما الغربية فيلم كابتن فيليبس نموذجا
الصومال في السينما الغربية فيلم كابتن فيليبس نموذجا
المقدمة:
السينما هي أداة من الأدوات الهامة لتوصيل الأفكار والمعتقدات والآراء، وقد استخدمتها الولايات المتحدة الأمريكية خبرة طويلة في هذا المجال وإنتاجية هائلة لتوصيل الكثير من الأفكار المتعلقة بها وبقوتها وإظهار أعدائها التي على خلاف معه بصورة سيئة وطمس العديد من الحقائق والصومال هي إحدى هذه الدول التي صورتها أمريكا بمظهر مخالف للحقيقة تفرض وجهات نظر معينة ومناسبة للدول صانعة الفيلم، إن السينما الأمريكية هي دائماً ما تعمل على هذا التشويه وإظهار الصومال بأنه قراصنة ومجرمين وتتفاعل مع هذا الأمر بشكل سطحي لكي يظهروهم بهذه الصورة بل وأيضاً تعمل على تشويه صورة العرب والمسلمين وأنهم أصحاب قلوب قاسية وينعدم عندهم الأخلاق وحقوق الإنسان ويصفونهم بالإرهابيين.
إن من أهم أدوات أمريكا في السينما الغربية هي التبرير للعالم تدخلهم العسكري في أي منطقة إسلامية سواء عربية أو أجنبية ولكن يغلب عليها الطابع الإسلامي هي صناعة العصابات سواء من الصومال أو أي دولة أخرى من خلال إظهارهم مسلحين للعالم، إذاً فإن السينما الغربية توجه الرأي العام نحو الصومال وإظهارهم بشكل سيء دائماً وأنهم أصحاب مجاعات ومسلحين ومجرمين وخطر على المجتمع وأنهم دائماً يشكلون خطراً كبيراً على العالم ولا يريدوا إظهار حقيقتهم، وأنهم عكس ذلك تماماً.
إن القرصنة الصومالية قضية شائكة من الأساس، كان على الإعلام الغربي ألا يبرز هذه الصورة بشكل سيء في الوقت التي كانت تعيش الصومال محنة إنسانية وكان الأجدر أن تبرز نضالات ومحن الشعوب وأن تحترم وتؤسس فكرة حقوق الإنسان مثلما يقولون وعدم إظهار الشعب الصومالي بأنه شعب مجرم وفوضوي وعشوائي، أيضاً السينما الغربية في هوليوود دائماً ما تظهر إنسانية أمريكا واحترامها لحقوق الإنسان وإظهار الصومال بأنها دولة تعاني الفقر والجوع وانعدام الأمن والاستقرار حتى ترسخت في أذهان العالم كله فكرة أن الصوماليين نبع المجاعة والتخلف والفقر.
في النهاية إن إظهار الحقيقة وعدم إخفائها المصالح شخصية أو سياسية أو اقتصادية يعد من حقوق الإنسان أو حقوق الشعوب، فالشعب الصومالي ليس هكذا أبداً وإنما لمصالح ما ترسخت هذه الفكرة في أذهان العالم من خلال السينما الغربية وما تظهره لنا.
الموضـــوع:
سنستعرض هنا فيلماً بريطانياً وهو يتحدث خاصة عن الصومال وقد نال اهتماماً كبيراً من الأوساط الثقافية العربية وخاصة الصومالية منها وهو فيلم (كابتن فيليبس) Captain Philips، قد قام ببطولته توم هانكس ممثلاً لدور الكابتن الحقيقي للسفينة التي اعتلاها أربعة قراصنة صوماليين في خليج عدن عام 2009، هذه كانت هي الحادثة الأولى من نوعها ضد سفينة أمريكية منذ 200 سنة، يتركز الفيلم على مذكرات قبطان السفينة نفسها ريتشارد فيليبس والذي نجى بأعجوبة من قبضة القراصنة بعد إنقاذها وإنقاذ قوات البحرية الأمريكية.
بول غرينغراس مخرج الفيلم متخصص بجدارة في الأفلام المستوحاة من قصص واقعية، ظهر نجمه متجلياً في يونيتد 2007 والمنطقة الخضراء 2010 الأمر الذي جعله الرجل المناسب لأن يجسد قصة الكابتن ريتشارد فيليبس، تبدأ أحداث الفيلم في منزل فيليبس وهو يجهز نفسه للسفر إلى سلطنة عمان في منطقة صلالة ليتسلم مهامه كقبطان للسفينة الأمريكية “ميريسك ألاباما”، وبعدها نراه يقود سيارته مع زوجته أندريا فيليبس والتي تقول له “تظن أن رحلاتك الكثيرة هذه تزداد سهولة ولكن العكس صحيح”، ثم بعد ذلك يطير فيليبس من ولاية فيرمونت إلى عمان ليأخذنا غرينغراس بعدها إلى المدينة أيل الصومالية في محافظة نوغال في بونتلاند، تلك المدينة التاريخية العريقة التي اختارها القراصنة عاصمة لهم نظراً لمكانها الاستراتيجي بالقرب من خليج عدن، هنا نجد القراصنة يستعدون ليوم آخر من العمل، حيث يرعبون الأهالي ويجمعون أنفسهم في مكان واحد لاختيار عصابتهم لهذه الرحلة، هنا في هذا المشهد يوضح أشياء قد تخفي على الكثيرين، فهو من جهة يوضح مدى خوف الأهالي من القراصنة وخاصة زعمائهم ويوضح أيضاً مدى الفقر المضقع الذي يعيشه هؤلاء الصيادون السابقون قبل أن يرموا شباكهم ويحملوا رشاشاتهم، أيضاً نلاحظ مدى الثراء الفاحش عند قادة القراصنة إذا نجدهم في سيارات دفع رباعية فارهة وحرس خاصة تظنهم وكأنهم قوات خاصة، وتحت ضغط هؤلاء الحرس يعود القراصنة إلى البحر مرغومين لكي يساعدوا قادتهم ويظلوا هم في فقرهم تحت قهر وظلم وقلة السلاح، المخرج غيرنغراس هنا قام بشيء لم يسبقه إليه أحد، فلقد وضح وبدون مبالغة ما يعيشه هؤلاء القراصنة، فرغم نجاحتهم السابقة في نهب السفن وطلب الملايين كفدية إلا أنهم مازالوا كما هم، لم يتغير أي شيء يذكر في حياتهم من مسكن أو مأكل أو مشرب.
هنا تتسارع الأحداث، حيث يصل فيليبس إلى سفينة ويبدأ في تأمينها ورفع التأهب فيها خشية أن يستولى القراصنة عليها، في الجانب الآخر نلاحظ خلافاً بين القراصنة حيث أن شاباً يدعى عبد الوالي موسى (والذي يمثل دوره برخد عبدي) يريد أن ينافس القائد الحالي لهذه الرحلة، ففي المحاولة الأولى للاستيلاء على (ميرسيك ألاباما) نشاهد قاربين سريعين انطلقا من المركب الأم للقراصنة بعد مشاهدة ألاباما وحدها في قلب المحيط، تفشل المحاولة بعد أن تم ملاحظتهم، وإيهامهم بأن القوات الأمريكية ستأتي لنجدة ألاباما في غضون عشر دقائق، وعليه فإن قائد القراصنة يتوقف ويعود بقاربه، أما موسى فإنه يستمر حتى يتعطل محركه.
وفي المركب الأم يصفي موسى حسابه مع القائد ويتخلص منه ليصبح هو القائد وليذهب إلى ألاباما في الصباح بقارب أسرع وأخف، آخذ معه ثلاثة من خيرة رجاله وهم ناجي (يمثله فيصل أحمد) وبلال (يمثله برخاد عبد الرحمن) وعلمي (يمثله مهد علي)، ينجح موسى ورجاله بالاستيلاء على ألاباما ولكنهم ولقلة عددهم يصادفون مشاكل كثيرة للتحكم بشكل تام على السفينة، في هذه الأثناء نلاحظ مدى التخبط وعدم التخطيط اللوجيكي لما يقومون به، فنراهم يتشاجرون ويصرخون على بعضهم بشكل فوضوي، لنفهم من هذا أن هؤلاء الفتية الأربعة ليسوا إلا صيادين بسطاء قادهم اليأس إلى ما يقومون به بدون أي خبرة إجرامية سابقة، وتستمر أحداث الفيلم بشكل يجعلك لا تصدق أن هذا حدث فعلاً بفضل عبقرية غرينغراس الإخراجية وخبرة هانكس في تصوير هلعفيليبس ومحاولاته التخلص من القراصنة والنجاة بسفينة وطاقمها، ولكن ما جعل الفيلم مختلفاً عن غيره هو استخدام المخرج الممثلين صوماليين أكفياء من أمريكا وبريطانيا، بعض هؤلاء الممثلون ذو خبرة تمثيلية في المسرح وبعضهم يدرس التمثيل ولكن معظمهم لم يمثل قط مثل بركات عبدي من مدينة مينيابوليس في ولاية مينيسوتا الأمريكية، والذي حصل على الدور بدون أي خبرة مسرحية أو تمثيلية مسبقة، ومع هذا أجاد الدور بشكل رائع.
قصة بركات عبدي نفسها تستحق أن تروى في رواية أو فيلم، إذ أنه عايش الحرب الأهلية ومصائبها منذ أن كان في السادسة من عمره، يذكر هنا في إحدى لقاءاته التليفزيونية أنه يذكر أصوات طلقات الرصاص وأنه هو وأخوه كان يلعبان معاً لعبة تخمين اسم السلاح الذي تطلق منه كل رصاصة، وها هو اليوم يعيش الحلم الأمريكي([1]).
وجهة نظري الشخصية بالتحديد في هذا الفيلم:
تتلخص في أن القراصنة في الصومال كانت مخرجاً للكثير من الشباب والأسر المنهكة والتي ضاقت بهم هبة البحر بفضل السفن العملاقة التي نهبت خيرات وطنهم البحرية ومنعتهم في بعض الأحيان من الصيد بجانبهم، فأصبح هؤلاء الصيادون “خفر السواحل” بزعمهم، ولكن الأمر تفاقم حتى أصبحت القرصنة عملاً ممنهجاً يديرها كبار زعماء المافيا والجريمة المنظمة في إفريقيا وآسيا وأوروبا وربما حتى في أمريكا نفسها التي تدعي أنها هي التي تطهر البحار والمحيطات من القراصنة والمحافظة على الأمن المائي وحقوق الإنسان وهكذا، وهؤلاء السادة هم من يستلمون الملايين ويرسلون للقراصنة ما هو أقل من واحدة في المائة من أموال الفدية.
الخاتمة:
وهنا في النهاية أطرح سؤالاً وهو “ماذا لو؟” ماذا لو أن الحرب الأهلية الصومالية لم تحدث، ولو أن موسى ورفاقه لم يركبوا البحر، ولو أن الصوماليين أعطوا فرصة كافية للحياة الكريمة وإثبات النفس، ماذا لو كانوا أخذوا حقهم الكافي في التعليم، ماذا لو أن الإعلام الغربي بدأ يبثه مباشرة الأحداث أول بأول في الصومال وبدأ يتحدث عن مناضلة الشعب الصومالي من أجل استعادة بلده وعدم التزييف في الحقائق؟ ماذا لو؟؟؟؟
([1])القراصنة في هوليود: كابتن فيليبس والجانب الآخر من القصة.
————————————–
الباحثة: ياسمين محمود محمد كمال – طالبة دراسات عليا
دبلوم – قسم اللغات – كلية الدراسات الإفريقية العليا
جامعة القاهرة