الصومال بعد الإطاحة بحكم الرئيس محمد سياد بري
بسم الله الرحمن الرحيم
الصومال بعد الإطاحة بحكم الرئيس محمد سياد بري
تُعدّ الجمهورية الصومالية واحدة من الدول الإسلامية والعربية في القارة الإفريقية التي أنهكها الاستعمار الأجنبي، ومن بعدها النزاعات الأهلية في ظل غياب مساندة حقيقية من الأمة الإسلامية والعربية للشعب الصومالي وقضيته ولو من قبيل الإغاثة الإنسانية، وانحدر الصومال في مستنقع الفوضى وغياب سلطة حكومية بعدما أطاحت ثورة شعبية بحكم الرئيس محمد سياد بري في 27 يناير 1991، ومنذ ذلك التاريخ فإن أمراء الحرب وقادة الفصائل الصومالية المتناحرة يخوضون حرباً قاسية في ظل افتقاد البلاد لحكومة مركزية، وبينما أمراء الحرب أصبحوا من الأغنياء، يدفع الشعب الصومالي، وأكثرهم الأطفال، ثمناً باهظاً للصراعات والنزاعات التي تمزّق البلاد.
جاءت أنباء سيطرة اتحاد المحاكم الإسلامية على العاصمة مقديشو سيطرة كاملة وفرار أمراء الحرب منها لتبشر بمرحلة جديدة تدخلها الصومال .. هذه المرحلة بداية النهاية لأمراء حرب كانت لهم الكلمة الأولى في جميع اتفاقات السلام التي وقعت، وكانوا عقبة كأداء أمام تحقيق السلام واستتباب الأمن في مقديشو وبالتالي في بقية الصومال
فمقديشو العاصمة كانت ولا تزال مؤثرا كبيرا على الوضع الأمني في الصومال، وكان هؤلاء الزعماء يعتمدون على سيطرتهم عليها في عرقلة كل عملية سلام وتفريغها من أي ثمار مرجوة أو متوقعة. ورغم أن هناك اثنين أو ثلاثة من أمراء الحرب الذين كانوا يتمركزون في مقديشو ممن لم يشاركوا في تحالف مكافحة الإرهاب وهما لا يزالان في مدينة بيدوة مقر الحكومة الجديدة ومنهم وزير الداخلية “حسين فارح عيديد ” ووزير الأشغال العامة والإسكان “عثمان علي عاتو” إلا أنه يمكن أن يقال إن المحاكم هي التي ستصبح صاحبة القول الفصل في العاصمة.
تحالف زعماء الحرب الصوماليين
يضم “التحالف من أجل إرساء السلام ومواجهة الإرهاب” المدعوم من الولايات المتحدة, زعماء حرب صوماليين علمانيين، ويؤكد التحالف أنه يكافح ما يسميه “الخطر الإرهابي” المتمثل من وجهة نظره في المحاكم الشرعية في مقديشو. وتأسس التحالف الذي يقع مقره العام في حي “داينيل” جنوب مقديشو في 18 فبراير/شباط الماضي, وهو يعرف نفسه بأنه حزب سياسي. ومن بين مؤسسي التحالف عدد من زعماء المليشيات التي تسيطر على العاصمة الصومالية منذ أن عمت الفوضى البلاد مع اندلاع الحرب الأهلية عام 1991.
كذلك يضم التحالف أعضاء في الحكومة الانتقالية التي تشكلت عام 2004، وضم عند تشكيله زعماء حرب أبرزهم وزير الأمن القومي “محمد قنياري أفراح”، ووزير التجارة “موسى سودي يلاهو”، ووزير الشؤون الدينية “عمر محمود فينيش” ووزير تسريح المليشيات وإعادة تأهيلها “بوتان عيسى”، فضلا عن رجل الأعمال “بشير راغي شرار”
المحاكم الإسلامية الصومالية
ظهرت المحاكم الإسلامية على أرض الواقع بين قبائل العاصمة الصومالية مقديشو عام 1997 لتكون بمثابة وزارتي عدل وداخلية، وذلك بعد فشل مبادرات فردية لإقامة محاكم بمناطق متفرقة في عامي 1991 و1994. وكونت هذه المحاكم التي تستند إلى قاعدة الشريعة الإسلامية ميليشيات في كل قبيلة بالعاصمة لتقوم بدور وزارة الداخلية حيث نفذت عمليات مشتركة لإرساء الأمن في محاولة للقضاء على حالة الفوضى التي شهدتها البلاد في غضون الحرب الأهلية، وهو ما أكسبها نفوذا ومصداقية كبيرة لدى الصوماليين.
ففي عام 1991، وعقب سقوط الحكومة العسكرية السابقة بالصومال وانتشار حالة من الفوضى، حاول العالم الأزهري الصومالي الشيخ “محمد معلم حسن” إنشاء محكمة شرعية بمنطقة “طور طيجلي” جنوب مقديشو بالتعاون مع شيوخ القبائل للفصل بين المتخاصمين بالاحتكام إلى الشريعة، غير أن الجنرال الراحل “محمد فارح عيديد ” الذي كان يسيطر على جنوب العاصمة آنذاك، وخلفه ابنه “حسين” وزير الداخلية بالحكومة الفيدرالية الحالية أحبط هذه المحاولة، حيث اعتبرها خطوة لإضعاف قوته.
وفي بداية عام 1994 تم تأسيس محكمة شرعية على أسس عشائرية بالشطر الشمالي من العاصمة، وعين الشيخ “علي محمود طيري” رئيسا لها، حيث استطاعت بسط نفوذها على أجزاء واسعة من شمال العاصمة مستعينة بالميليشيات التي كونتها، ونفذت المحكمة بالفعل أحكاما مختلفة على مدى نحو 3 سنوات من عملها على عدد كبير من السكان المتهمين مثل حد الرجم، والقصاص. إلا أن زعيم الحرب القوي آنذاك “علي مهدي محمد” دخل في صراع مع المحكمة وتمكن من القضاء عليها، وتفكيك أجهزتها القضائية والتنفيذية (الميليشيات)، مستعينا بدعم الحكومة الإثيوبية.
وفي أوائل عام 1997 عادت فكرة إنشاء محاكم شرعية على أسس قبلية لتقوم محكمة إسلامية في كل قبيلة. وفى بداية عام 2001 قويت شوكة المحاكم الشرعية بمقديشو، ونجحت في تنفيذ عمليات مشتركة شاركت فيها الميليشيات التابعة لها في كل قبيلة بالعاصمة، حتى وصل نفوذها إلى مناطق من “شبيلي السفلى” جنوب مقديشو، مثل منطقة “مركا” على بعد 120 كم
وفى عام 2005 تم تأسيس المجلس الأعلى لاتحاد المحاكم الإسلامية بمقديشو، وانتخب الزعيم الشاب الشيخ “شريف شيخ أحمد” رئيسا له. وبعد اتحادها بدأت المحاكم الإسلامية تنفيذ عمليات مشتركة ضد العصابات الإجرامية بعدد من أحياء العاصمة؛ مما أدى إلى هدوء نسبي. وحرص الاتحاد على عدم تنفيذ عملياته ضد العصابات المسلحة بالمناطق التي تخضع لسيطرة زعماء الحرب لتفادي التصادم معهم
وتحظى المحاكم الإسلامية في مقديشو بنفوذ كبير ومصداقية عالية، ويعود ذلك لعدة أسباب، منها فشل زعماء الحرب في إعادة الأمن حتى في الأماكن التي يسيطرون عليها، ومعارضتهم لأي نظام يحاول إرساء الأمن؛ مما تسبب في تدهور شعبيتهم بشكل كبير، وعزّز في الوقت ذاته شعبية المحاكم الشرعية.
وجاءت المصادمات الدامية بين الجانبين في فبراير الماضي على خلفية اتهامات متبادلة، حيث يقول اتحاد المحاكم الإسلامية: إن التحالف يسعى لمحاربة واغتيال العلماء وتسليمهم لدول أجنبية، بينما يرى الأخير أن الاتحاد يريد السيطرة على البلاد، وإقامة حكم إسلامي “متشدد” على غرار نظام طالبان الذي كان يحكم أفغانستان
وقد تم الإعلان عن سيطرة المحاكم على مدينة “دينيلي”، وهي ضاحية من ضواحي مقديشو كان تحالف مكافحة الإرهاب يتخذها مقرا له. وتم تسليم مقر أقوى أمراء التحالف وأكثرهم تسلحا “محمد قنيري أفرح” الذي كان وزيرا للأمن في الحكومة الجديدة التي تشكلت عام 2004 ولم تستطع فعل شيء منذ ذلك الحين. ولقد تم تسليم المدينة ومقر وأسلحة “قنيري” سلميا إلى أعضاء من نفس قبيلته المنضوين تحت لواء المحاكم الإسلامية، وفر الرجل الذي كان يتهم بتسفير وتسليم المطلوبين أمريكيا إلى الولايات المتحدة، ثم ما لبث أن أعلن اتحاد المحاكم الإسلامية في الرابع من يونيو 2006 أنه سيطر على العاصمة بالكامل بعد أن تمكن من طرد من أسماهم “عملاء أمريكا” من مدينة “بلعد” الإستراتيجية شمالي مقديشيو، وهى آخر معاقلهم في العاصمة.
وأضاف المراقبون أنه يضاعف من حجم الأزمة، حالة الجفاف والمجاعة التي تهدد آلاف الأطفال والنساء، فهنالك شح كبير في المياه وندرة في المواد الغذائية كماً ونوعاً، ونقص في تدفق المساعدات إلى الصومال التي تمنع الفصائل المتناحرة وصولها إلى أهدافها، بينما يستمر تدفق السلاح بسلاسة ويسر، وتستمر الدول الغربية وأجهزة الاستخبارات العالمية في دعم أمراء الحرب بالمال علناً، والهدف كما يقولون هو محاربة الإرهاب، وبهذا تشتد الاشتباكات وتطول، بينما تستمر موجات جديدة من الأطفال والنساء والشيوخ في هجرة أماكن سكناها إلى مخيمات جديدة للفرار من الموت قتلاً أو جوعاً وعطشاً
قراءة متأنية للواقع الصومالي الحالي
- الحرب التي دارت معاركها مؤخرا في مقديشو خلال الأشهر الأربعة الأخيرة مختلفة تماما عن الحروب التي كانت تقع بين القبائل في الصومال. فبينما كان التأثر بالقبلية ونعراتها باديا للعيان وغير خاف على أي مراقب، جاءت معارك مقديشو لتؤسس دخول الصومال مرحلة الحرب على أساس أيديولوجي أي على أساس المبدأ وليس القبيلة. فكلا الجانبين (تحالف مكافحة الإرهاب واتحاد المحاكم) كان من بين زعمائه أفراد من القبائل المسلحة في مقديشو. ولقد أراد زعماء الحرب بعدما هزموا في المراحل الأولى من القتال أن يضعفوا قوة المحاكم بإثارة النعرة القبلية بهدف تشتيت شملها، ولكنهم في هذه المرحلة لم ينجحوا، في مؤشر آخر على أن الشعب الصومالي بدأ يتعافى من داء القبلية ويدخل مرحلة أخرى مغايرة
- زعماء الحرب لم يكن معهم أي من الشعب الصومالي ولا حتى من قبائلهم، وأنهم كانوا منبوذين شعبيا ولم تكن المليشيات التي استخدموها في حروبهم إلا مجموعات من المرتزقة سيطروا عليهم بفعل غسيل المخ والمخدرات. ولذلك وجدنا أنها في أول مواجهة حقيقية مع المحاكم انهزمت رغم قوة عتادها الحربي
- الإسلام ما زال قويا في الصومال وأنه ليس هناك ما يمكن أن يوحد هذا الشعب أمام التحديات سوى الإسلام الذي وحد بين جميع قبائل الجنوب تحت لواء المحاكم، هذه القبائل التي كان أمراء الحرب يتقاتلون باسمها في يوم من الأيام.
- الاقتتال وعدم الاستقرار في الصومال كانا بإرادة قوى إقليمية ودولية لا يسرها استتباب الأمن في هذا البلد العربي المسلم، لذا فإنهم وقفوا مع أعداء الشعب الذين قتلوه وشردوه 16 عاما.
- دعوى وجود إرهابيين في الصومال تخفيهم المحاكم الإسلامية وأنها تدعم الإرهاب دعوى باطلة يستخدمها الغرب وحلفاؤه كقميص عثمان لتدمير الشعب الصومالي وإعاقة تطوره ونهوضه مرة أخرى من الوهدة التي وقع فيها بعد انهيار الحكومة الصومالية عام 1991.
- المحاكم الإسلامية بعدما كانت قوة محايدة وعاجزة عن تنفيذ أحكامها على أولئك المنضوين تحت لواء أمراء الحرب ويتجنبونهم اتقاء شرهم، أصبحت الآن قوة فعالة وسيحسب لها ألف حساب سواء في المستقبل السياسي للصومال أو في معادلات التسويات الأخرى.
إلا أنه رغم أن الصومال جزء لا يتجزأ من الأمة العربية، ومن حقه كأي بلد عربي أن يحظى بالاهتمام والمتابعة على المستويين الرسمي والشعبي، ورغم تبنى الحكومات الصومالية المتعاقبة قرارات مهمة من أبرزها عدم السماح لاستخدام جواز السفر الصومالي للدخول إلى الأراضي الفلسطينية المحتلة أو إلى إسرائيل، ورغم الحركة التجارية الدءوبة بين الصومال والدول العربية حيث تعد المواشي الصومالية من أهم وأكثر الواردات لدى بعض الدول العربية، إلا أن القضية الصومالية وهى قضية إسلامية وعربية بدرجة أولى مازالت بعيدة عن اهتمام العرب الذين يركزون بالأساس على قضايا العراق وفلسطين ولبنان .
الباحث: محمد رضا عبدالوهاب سعد
– طالب دراسات عليا
دبلوم خاص – قسم اللغات – كلية الدراسات الإفريقية العليا
جامعة القاهرة