Site icon Daruur درور

الرواية الصومالية بين الوطن والمنفى

الرواية الصومالية بين الوطن والمنفى

يُعد الأدب الصومالي في إطاره العام نمطاً متفرداً داخل الإطار الثقافي الواسع للمجتمع الإفريقي، حيث تتميز ثقافته – الشفاهية على وجه الخصوص – بتنوع له أهميته في بنية الثقافة الإفريقية، فهو يجمع ما بين الهويتين العربية والإفريقية، والأدب والذي هو أحد أشكال التعبير الإنساني وأحد الأدوات الهامة للثقافة، والتي نستطيع من خلالها التعرف على فكر وحياة المجتمعات التي يخرج من رحمها، كان لها نفس الدور بالتأكيد في إظهار هوية المجتمع الصومالي، وقد عكف باحثون صوماليون وأجانب خلال السنوات الماضية وخاصة الفترة ما بين 1930م وحتى 1995م على جمع عقد الأدب الصومالي (المنفرط) في أكواخ الشعر والوبر وبيوت المدن وخيام الرحل، واستطاعوا الكشف عن العديد من الإبداعات الأدبية لدى البدو وأهل البراري وما كانت تخفيه الأدغال الصومالية، وألفوا كتباً وأوراقاً بحثية ورسائل أدبية، ظلت حتى أعوام قريبة مرجعاً هاماً نستطيع من خلاله أن نستوعب جوهر الفكر والثقافة الصومالية، والدور الهام الذي تلعبه في حياة المواطن الصومالي، كذلك الآثار السلبية والإيجابية التي خلفتها هذه الثقافة على مراحل بناء الدولة الحديثة في الصومال العربي الإفريقي، وبالطبع حفظت كل هذه الأعمال داخل المكتبات الحكومية ودور النشر في العاصمة (مقديشو) ومدينة(هرجسيا)، وبالطبع لم تسلم هذه الأعمال من التخريب والضياع منذ العام 1991م حيث انهارت الدولة الصومالية وفقدنا معها جزءاً كبيراً من التراث الأدبي الهام.

الرواية الصومالية بين الوطن والمنفى
الرواية الصومالية بين الوطن والمنفى

وعلى الرغم من ذلك فإننا نجد أنفسنا نتسائل أمام هذه الأعمال الكثيرة التي كتبت عن الأدب الصومالي وجمعته وقامت بتحليله، هل هناك أدب صومالي؟

وقد أجاب الكاتب والروائي الصومالي ابراهيم هود في إحدى مقالاته حول الكتابة باللغة الصومالية عن حال الإنتاج الأدبي في السابق بالصومال قائلاً “كان لدينا شعراء، ولكن لم يكن للأدب وجود بمعناه السردي الذي يحتوي على مكوّنات مثل الرواية والمسرح والنقد، باعتبار أن هذا الشكل هو العلامة على اقتحام الحداثة”ونجده في مكان آخر يستخدم عبارة “الفضيحة” معلّقا على انحسار الكتابة بالعربية في داخل الصومال والتي كانت شائعة قبل الاعتماد الرسمي على الأبجدية الحالية.

ولا بد هنا أن نشير أنه لم يمر وقت طويل منذ البدء في تدوين اللغة الصومالية بشكلها الحالي، لذلك فكل ما نجده مكتوباً بالصومالية وبالأبجدية الحالية هو يعتبر حديث عهد، ونجد أن أول رواية مكتوبة بالصومالية بشكلها السردي الحديث هى رواية “مان فاي” للروائي محمد أفرح طاهر وهو روائي وكاتب مسرحي، وقد أصدرت روايته في عام 1981م، وتبع رواية طاهر العشرات من الروايات وأكثر منها دواوين الشعر، والتي تنازلت أغلبها موضوعات اجتماعية وسياسية وتاريخية، وأخذت الرواية الصومالية منحى يتناسب والمتغيرات السياسية وذلك من حيث مضمون الرواية نفسها، تلك التغيرات التي انطلقت في فترة التسعينات بصعود بعض القبائل الصومالية للحكم 1991م وسقوط نظام محمد سياد بري، كان ذلك بالطبع بمساعدة الكتلتين الشرقية والغربية، والتي استغلت ضعف الجيش الصومالى بعد هزيمته من قبل الاثيوبيين 1977م، واختبرت الصومال منذ تلك الفترة مواضيع جديدة عليها، مثل الاقتتال الداخلي والتهريب والعنف الجهادي وحياة المخيمات والنازحين، ورغم كل تلك القضايا الهامة الملحة فيعتقد الكثير من النقاد أن الرواية الصومالية لم تنجز بعد ما يعبر عن الوجع الصومالي الهائل وتفاصيله المتشعبة.

وإذا نظرنا إلى الإنتاج الحديث والقائم به الأدباء الشبان، فقد منحهم التدوين الحر على الإنترنت فرصة كبيرة للتعبير عن أنفسهم، واتجه الكثير منهم لكتابة القصة القصيرة، ويواجه العديد منهم خاصة من يكتبون بلغة أخرى الكثير من الصعوبات، فمن يكتب باللغة العربية مثلاً يعاني من عدم وجود دور نشر للعربية بالصومال، وهو ما يحتم على الكاتب أن يختار إما النشر في الخارج وبذلك يفقد القارئ الصومالي المعني بالأمر، أو ينشر في الداخل وبذلك يوجه لجمهور قليل، وأن يتشكل لديه جمهور ذو أقلية لغوية في داخل بلده.

وبعيداً عن الرواية والروائيين الصوماليين المقيمين بالداخل فإننا يجب أن ندرك أيضاً أن الأحداث الصومالية صنعت ثقافة أخرى نمت في الخارج بين النازحين الصوماليين، ونجد الكاتب الروائي الكبير نور الدين فارح يحقق انتصارات كبيرة للرواية الصومالية من خلال إنتاجه الأدبي، ويمثل نور الدين فارح التيار العلماني حيث نشأ في جنوب الصومال أثناء احتلالها من قبل البريطانيين وتأثر كثيراً بهم، وكان والده يعمل مترجماً من اللغة الصومالية إلى اللغة السواحيلية لدى الحاكم البريطاني، ودرس نور الدين في المدارس الإنجليزية المسيحية ليتعلم لغة شكسبير في الصباح، وفي الظهيرة يتجه إلى المدارس القرأنية ليتعلم العربية.

أثار فارح جدلا في الأوساط الأدبية كروائي، منذ إصداره لروايته الأولى”ضلع ملتو” في عام 1970، ويتحدث فيها عن هرب فتاة صومالية تدعى عبلة من مخيم عائلتها التي تفرض عليها الزواج من رجل عجوز يكبرها بأربعين عاما. وتتعرض الرواية للحياة القبلية ولحياة المرأة المجردة من حقوقها.

 أما روايته الثانية والتي حصل على جائزة نيوستاد الأدبية عنها فهي “أسرار” وتتميز هذه الرواية التي كتبها فرح باللغة الإنجليزية بثراء حبكتها ولغتها الأدبية، وأحداثها المشوقة المليئة بالتحولات، وقد ذكر حد النقاد في صحيفة لوس أنجلوس تايمز الأمريكية ” تلك الرواية تدفعك للشعور بحنين قوي إلى وطن هو في الحقيقة غير وطنك”.

لا يختلف الروائي الصومالي محمد على ديريه كثيراً من حيث جودة الإنتاج الأدبي عن نظيره المهاجر مثله نور الدين فارح، وقد هاجر ديريه بعد ولادته في سن مبكرة، وقال في الغلاف الداخلي لمجموعته القصصية “إلى كاركاس بلا عودة” ” لا يعرف الناس ما الذي يعنيه أن تكون عربياً بعد السادسة من عمرك” وقد هاجر ديريه مع أسرته إلى السعودية ودرس بها ثم إلى السودان، وكانت كلها تجارب تكوينية من شأنها أن تؤثر عليه تماماً ككتاب المهجر الصوماليين، وبالفعل تظهر التيمات المعتادة حول الحرب والمنفي في كتابات ديريه، ونجده في رواية “لعنة الجنوب” يصور لنا البطل بشخص ترك موطنه – ولا يقوم بتسميته الصومال مباشرة – لكي يبدأ حياة جديدة في السعودية. يحاول ذلك الشخص نسيان كل ما يتعلق بأرض أجداده، ولكن جهوده تبوء بالفشل في نهاية المطاف، فلا تزال بقايا الصومال مترسبة في ذهنه. وعلى رغم أن ديريه لم يذكر الصومال أو الحرب الأهلية بشكل مباشر، إلا أن ملامحهما تنتشر على طول النص. وفعلاً، كان للإغفال المتعمد ما يشبه الصدمات المتكررة لذاكرة الشخصية الرئيسية.

إن الحراك الأدبي في المنفي أثري بشكل كبير الأدب الصومالي وإن كان بغير لغته ذات الأبجدية الحديثة، إلا أن ذلك لم يمنع من أنه وضع الصومال في ظل هذه الأزمات الكبيرة التي تجتاحه ومحاولات التهميش وطمس هويته في خريطة الأدب العالمي.

الباحث: عادل موسى خضير – طالب دراسات عليا

دبلوم خاص – قسم اللغات – كلية الدراسات الإفريقية العليا – جامعة القاهرة

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

المصادر والمراجع

مواقع اليكترونية

كتب

لماذا سميت الصومال بهذا الاسم وما أصل الصومال وموقعها

Exit mobile version