التأمين البحري من خلال دول منطقة خليج عدن وباب المندب
التأمين البحري من خلال دول منطقة خليج عدن وباب المندب
نتيجة للتدخلات الدولية التي تحمل أبعاد مختلفة في منطقة خليج عدن وباب المندب وخاصة التدخلات الأمريكية، خلق مخاوف لدى دول الجوار المشاطئة للبحر الأحمر، خاصة على المستوى الدول العربية، حيث أن قضية التدويل والتواجد العسكري المكثف يشكل تهديداً وخطراً على الأمن القومي العربي بالإضافة إلى أنه يمثل ما يشبه بالاحتلال غير المباشر لهذه القوات للمنطقة؛ إذ يمثل هذا التوجه مقدمة لتمرير مشروع سبق أن طرحته إسرائيل والذي بدوره قُوبل برفض عربي، وما ترتب عليه من المطالبة والدعوة إلى تبني موقف عربي موحد تجاه ما يجري من هذا التواجد العسكري للدولي الأجنبية وأعمال القرصنة في مياه البحر الأحمر.
حيث أن التداعيات الأمنية والاقتصادية الناتجة عن هذا التدخل وتلك الإعمال باتت تفرض على الدول العربية المطلة على البحر الأحمر أن تكثف من آليات التشاور والتنسيق والتعاون من أجل دراسة تلك الظاهرة ومكافحتها. وتعد كلاً من مصر والسعودية واليمن والأردن والسودان والصومال وجيبوتي، دولاً عربية تطل على البحر الأحمر مما يجعلها في موقع المسؤولية فضلاً عن كونها القادرة على تأمين وحماية البحر الأحمر من أي خطر، فلقد أشارت تلك الدول إلى ضرورة وضع حد لعمليات القرصنة، حيث وحدت كلمتها في هذا المجال في سبيل القيام باليات قانونية تحد من القرصنة وتقضي عليها و أشارت دول مثل مصر واليمن ودول عربية أخرى في بيان عقب اجتماع في مقر وزارة الخارجية المصرية من خلال العمل على مواجهة هذه المشكلة، وتوصلت إلى ما يلي:
- التأكيد على أن مسؤولية تأمين البحر الأحمر تقع بالدرجة الأولى على عاتق الدول العربية المطلة عليه وقدرتها على تأمين حركة الملاحة به ومواجهة كل ما يهدده.
- تعزيز آليات التعاون والتشاور فيما بينها لمواجهة هذه الظاهر والحيلولة دون امتدادها إلى البحر الأحمر”[1]“.
- أن تكون الإجراءات الدولية التي تتخذ لمكافحة القرصنة متفقة مع القانون الدولي الذي يحترم سيادة الدول على أراضيها ومياهها الإقليمية.
- الأخذ في الاعتبار الطبيعة المؤقتة للترتيبات الأمنية القائمة قبالة السواحل الصومالية وفي خليج عدن، حيث أبدى اليمن قلقه من الحشود العسكرية الأجنبية في المنطقة لكن المشاركين في الاجتماع أبدوا استعدادهم لحوار مع الدول التي تبادر باتخاذ إجراءات لمكافحة القرصنة.
- شراكة وليس تدويل، من خلال العمل على وضع تشريعات دولية تعمل على القضاء على ظاهرة القرصنة الدولية للسفن الدولية ووضع الجزاءات القانونية وفق إحكام القانون الدولي. وتشجيع العمل على تعزيز المناطق البحرية بقوات تابعة للدول الساحلية مما يوفر أرضية مشتركة للتعاون بينها في القضاء على أي عملية قانونية يتم الشروع بها. وملاحقة القراصنة وأسرهم ومحاكمتهم وفق الأعراف والقواعد القانونية على اعتبار أن الجريمة التي يرتكبونها هي جريمة دولية مما يعني ولاية المحاكم الدولية أو الوطنية التي تخضع سفنها لعملية القرصنة باعتبارها الطرف (المجني عليه) من محاسبة القراصنة وفق قوانينها، والعمل وفق أسلوب المسؤولية الجماعية في مكافحة القرصنة دون الابتعاد عن أي جهد دولي يكون له تأثير واضح في الحد من القرصنة من خلال تقديم المقترحات وتبادل وجهات النظر للتوصل إلى الحل، بالإضافة إلى عقد المؤتمرات على المستويين الإقليمي والدولي من اجل عدم امتداد هذه الظاهرة إلى المجال الدولي ليكون الأسلوب الذي تتخذه الدول قابل للتفاعل بإيجابيه نحو تعزيز آليات المبادرة الفردية للدول من خلال الأخذ بمقترحاتها والعمل بموجبها أذا كانت تحقق الفائدة”[2]“. وأخيراً تكمن الجهود المطلوبة في مكافحة هذه الظاهرة غير القانونية في تلك المنطقة في أمرين، أولهما: حشد القوات البحرية في مسعى لإيقاف القراصنة في عرض البحر، وثانيها: تشجيع التسوية السياسة داخل الصومال المقسم حتى يتم بسط سلطة القانون والنظام في تلك البلاد.
الخيار الثاني: المواجهة البرية في الصومال: –
بالرغم من صعوبة الخيار البري في مواجهة ظاهرة القرصنة وما يترتب عليه من خسائر سواء كانت مادية أو بشرية، وذلك نتيجة لتشعبها وأقرب مثال على ذلك الفشل الزر يع للتجربة الأمريكية الإثيوبية في الصومال، إلا أنه يظل أحد الخيارات المطروحة في مواجهة هذه الظاهرة. ولذا أصبح هناك مسؤولية كبرى على المجتمع الإقليمي والدولي لإيجاد آلية واقعية لحل المشكلة والوصول إلى جذورها وأسبابها الحقيقية،كما أنه لا يمكن أن يتم ذلك إلا من خلال شراكة ومساهمة حقيقية من ول الجوار التي لا تخفي قلقها من تصاعد ظاهرة القرصنة وتحاول جاهدة لوضع إستراتيجية شراكة لمواجهة الظاهرة، فالحدود البرية بين الصومال ودول الجوار تتيح مساحة للتعامل معها ولكن بعيداً عن التدخل العسكري لأن التجارب السابقة أثبتت فشل ذلك، ومن ثم توجد عدة حلول ومقترحات مطروحة يمكن أن تعمل عليها دول الجوار والمحيط الإقليمي لمواجهة هذا العمل الإجرامي في تلك المنطقة ويسهم فيها المجتمع الدولي، ويمكن سرد هذه المقترحات والحلول على النحو التالي:
أولاً ــــ دور دول الجوار الإقليمي لمواجهة خطر القرصنة:
من الواضح أن هناك توجس من دول الجوار الإقليمي للصومال من خطورة تفاقم الظاهرة، وتداعياتها على دول المنطقة حيث يبرز هنا أهمية الدور الفاعل الذي يمكن أن تقوم به تلك الدول، لذا اقترحت مؤسسة “شتام هاوس” إنشاء شرطة بحرية يسمح لها بمواجهة عمليات القرصنة تحت إشراف الأسرة الدولية لإنهاء هذه الظاهرة، وتدير تلك القوة كلاً من الأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي، وأن تمول من صناديق خارجية، فلابد من القيام بدور فاعل للمساهمة في حل نزاعات أفريقيا والتي تؤثر سريعاً وبقوة على الأمن القومي العربي، من ثم على الدول العربية المشاطئة للبحر الأحمر والخليج عدن ودول الخليج العربي أيضا، تبني دور عربي وإقليمي فاعل لحل المشكلة الصومالية، الذي عانى ومازال يعني شعبها العربي الكثير من الويلات، حيث فشلت من قبل الوصاطات العربية وكذلك الأفريقية في نزع أسباب الشقاق بين فرقاء الشعب الواحد. بالإضافة إلى حل مشكلة الاحتلال التي دعمتها الولايات المتحدة وذلك من خلال استعادة سيادتها القومية وخروج القوات الإثيوبية منها، ولتحقيق هذا يستوجب على الدول العربي التضافر وتوحيد الجهود والتعاون ووحدة الفكر العربي لمواجهة مثل هذه الأزمات لأن هذه الأزمة ستؤثر سلباً على اقتصاديات المنطقة ما لم يتم مواجهتها من خلال اتفاقيات أمنية عبر حملات معينة وبمقابل حتى يكون هناك مرور آمن للناقلات النفط العملاقة،انطلاقاً من مبادئ القانون الدولي التي تمنع كل أنواع القرصنة لأنه تهدد السلم والأمن الدوليين… كما سبق القول”[3]“.
وقد كان لكينيا والهند -بالرغم من أن الهند ليست من دول الجوار الإقليمي -دوراً في مكافحة القرصنة حيث عقد مؤتمر دولي في العاصمة الكينية نيروبي برعاية الأمم المتحدة والحكومة الكينية وبإشراف الممثل الخاص للأمم المتحدة في الصومال ووزير الخارجية الكيني، أما الهند فقد قامت قوتها البحرية باعتقال 23 قرصاناً صومالياً ويمنياً في خليج عدن بعد تهديدهم لسفينة هندية كانت مارة في هذه المنطقة”[4]“.
كما كانت هناك مبادرات حديثة للتصدي لظاهرة القرصنة في الصومال، حيث قامت دولة الأمارات العربية المتحدة بعقد مؤتمر دولي الثاني في العام 2012 م لمكافحة ظاهرة القرصنة البحرية يتناول تكلفتها الاقتصادية والاجتماعية والذي عقد تحت شعار ” استجابة إقليمية على القرصنة البحرية لتعزيز الشراكات العامة والخاصة وتعزيز المشاركة العالمية” حيث وفر هذا المؤتمر منصة إستراتيجية لتعزيز التعاون بين المؤسسات الإقليمية والدولية لمكافحة ظاهرة القرصنة البحرية من خلال المبادرات المشتركة للقطاعين العام والخاص ، مرتكزاً على مقررات المؤتمر الأول الذي أنعقد في العام 2011 م لمكافحة القرصنة البحرية في السواحل الصومالية، وهدف المؤتمر إلى رفع مستوي الوعي حيال تهديدات هذه الظاهرة، وتحسين مستوى التعاون بين مؤسسات القطاع العام والخاص والجهات الحكومية لدعم البحارة من ضحايا القرصنة، وتطوير المشاريع التنموية ولاسيما في الدول الإقليمية وخاصة الصومال، لغرض تحسين سبل مواجهة القرصنة البحرية.
في هذا الصدد، لا بد من الإشارة إلى أنه في العام 2009 م تم تشكيل فريق للاتصال يعني بمكافحة القرصنة قبالة سواحل الصومال خارج إطار الأمم المتحدة مع أنه يعقد جلساته العامة في مقر الأمم المتحدة في نيويورك (. المشاركة في عمل فريق الاتصال هذا متاح لأي بلد أو منظمة تبذل جهوداً لمكافحة القرصنة، أو تتأثر بها مباشرة. عملياً، استقرت “عضوية”فريق الاتصال عند 40 دولة تقريباً، تضم دولاً إقليمية، ودولاً تشارك في العمليات البحرية، ودولاً لديها مصالح كبيرة في النقل البحري. كما تشارك الحكومة الاتحادية الانتقالية في الصومال، والسلطات الإقليمية في أرض الصومال، و بونت لأند، و غالمودوغ في عمل فريق الاتصال هذا. أما البلدان التي لم تهدَّد مصالحها فلا تميل إلى المشاركة.وعلى الرغم من أن عضوية فريق الاتصال محصورة بالدول والمنظمات الدولية مثلاً (الاتحاد الأوروبي، حلف شمال الأطلسي، المنظمة البحرية الدولية،برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة)، إلا أن هناك منظمات أخرى(عامة، وخاصة)، تسهم مساهمة فعالة في عمل فريق الاتصال. نذكر على سبيل المثال مشاركة منظمات تجارية مختلفة معنية بالنقل البحري، إلى جانب منظمات تمثِّل بحارة وملاحين.تقضي مهمة فريق الاتصال (CGPCS) ب “تعزيز التعاون الدولي للتصدي لآفة القرصنة قبالة سواحل الصومال”.هذا يعني أن فريق الاتصال بحد ذاته لا يحقق نتائج، بل إنه يعمل على تشجيع ودعم وتسهيل الإجراءات التي تتخذها جهات فاعلة أخرى، مثل الحكومات الإقليمية والوطنية،الأمم المتحدة،المنظمة البحرية الدولية،الاتحاد الأوروبي،حلف شمال الأطلسي،ومنظمات القطاع الخاص. ولهذه الغاية وضع فريق الاتصال خطوط العمل الآتية:
دعم الوحدات العسكرية لتنفذ عمليات مكافحة القرصنة.
دعم شركات النقل البحري لتتخذ إجراءات للدفاع عن النفس.
دعم تطبيق القانون والسلطة القضائية لكشف شبكات القرصنة ومحاكمة القراصنة خصوصاً في المنطقة.
دعم برامج بناء القدرات في المنطقة. وبهذه الطريقة،أصبح فريق الاتصال (CGPCS) العمود الفقري في تحالف كبير لمكافحة القرصنة يضمّ حكومات،و منظمات دولية،وتحالفات عسكرية،إلى جانب القطاع الخاص”[5]“.
إضافة إلى ما تقدم فإن هناك مجموعة من المحاور يمكن للدول العربية والإفريقية الانطلاق من خلالها لمواجهة ظاهرة القرصنة البحرية على السواحل الصومالية منها:
1 – المحور السياسي: وتلعب فيه جامعة الدول العربية الدور البارز باعتبارها تمثل الكيان السياسي والمحرك الرئيسي لمعالجة الأزمة وإقامة دولة المؤسسات في الصومال بالتنسيق والتعاون مع الاتحاد الإفريقي، حيث أن التنسيق العربي الإفريقي يظل هو الخيار السليم لنجاح الجهود الدولية للتعامل مع ظاهرة القرصنة وإقامة دولة المؤسسات في الصومال، بالإضافة إلى تحقيق الاستقرار والملاحة الآمنة في المياه العربية من بحر العرب وخليج عدن إلى البوابة الجنوبية للبحر الأحمر.[6]
2 – المحور الاقتصادي: حيث يلعب المحور الاقتصاد دوراً بارزاً من خلال الاعتماد على الأموال العربية لتمويل تحقيق التنمية والتطور الاقتصادي في القرن الإفريقي، تشجيع الكوادر الوطنية المؤهلة والمدربة في الصومال لكي تتمكن من نقل التكنولوجيا المتقدمة وتطويرها لاستغلالها عملية التنمية، العمل على تحقيق تكامل عربي فاعل من خلال إنشاء سوق عربية مشتركة ومنطقة تجارة حرة من خلال خطوات علمية سليمة ومدروسة، والاستفادة من الموارد الطبيعية والثروات المتوفرة في الصومال، يدعم فرص التطور والتنمية والرفاهية بشكل عادل ومتوازي؛ وذلك نتيجة لاحتياج الدول العربية لاستغلال هذه الموارد المتوفرة لدى الصومال”[7]“.
3 – المحور الأمني والعسكري: ويتمثل المحور الأمني والعسكري في منع تنفيذ حصار بحري دولي أو إقليمي أمام الصومال لإعاقة الحركة في هذه الممرات الملاحية الحيوية، وذلك من خلال رفض الهيمنة الأجنبية الدولية أو الإقليمية على هذه المنطقة، وخصوصية العلاقات البحرية العربية في البحر الأحمر وعلاقاتها بالأمن القومي للدول العربية المطلة وغير المطلة عليه، وحرية الملاحة، والإبقاء على خليج العرب وبحر العرب ومضيق باب المندب والبحر الأحمر ممرات مائية مفتوحة دون إعاقة الملاحة فيها.”[8]“
4 – المحور الاجتماعي: وفق هذا المحور يمكن للدول العربية العمل على مواجهة المخططات”الصهيو غربية” التي تهدف إلى تشويه صورة العرب والمسلمين، وذلك من خلال التقارب الاجتماعي والثقافي والديمُغرافي بين الصومال ودول الجوار العربي والإفريقي وفي مقدمتها وإثيوبيا وكينيا وارتريا، وأحياء الثقافة العربية وفضلها التاريخي على إفريقيا والعالم في المجالات المتعددة كالطب والجغرافيا والفلك والرياضيات والآداب… وغيرها، والعمل على استعادة مكانة العرب من خلال توظيف وحدة اللغة والثقافة والدين ومبادئ حقوق الإنسان ونشر الديمقراطية والحريات لتتماشى مع المتغيرات الدولية الجديدة”[9]“.
[1]– أحمد طاهر، أزمة القرصنة الصومالية بين مخاطر التداعيات وحساسيات المعالجة على أمن المنطقة” مجلة شئون خليجية، (مركز الخليج للدراسات الإستراتيجية)، ع 55، 2008 م.
[2]– محمود خليل، “المسؤولية المشتركة للدول المطلة على البحر الأحمر لمواجهة الأعمال العدائية”، (مركز الدراسات الاستراتيجية، أكاديمية ناصر العسكرية).
[3]– محمود أبو العنين، ظاهرة القرصنة الصومالية الإبعاد الإقليمية والدولية،التقرير الإستراتيجي الإفريقي (القاهرة، مركز البحوث والدراسات الإفريقية)، الإصدار الخامس، جامعة القاهرة، 2007/ 2008 م.
[4] – سهام محمد عز الدين صالح جبريل، مرجع سبق ذكره، ص 190.
[5] – هانك سوارتو، استجابة المجتمع الدولي: نشاط فريق الاتصال المعني بالقرصنة قبال سواحل الصومال (CGPCS)، مؤسسة الشرق الأدنى والخليج للتحليل العسكري (إينغما)، 2012 م، ص 2-3.
[6] ـ سهام محمد عز الدين صالح جبريل، مرجع سبق ذكره، ص 190.
[7] ـ المرجع السابق ، ص 190.
[8] ـ المرجع السابق .ص 191.
[9] – للمزيد من المعلومات يمكن الرجوع إلي : نفس المرجع السابق ، ص ص 191، 193.